للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلّها مبدَّلة من أولها إلى آخرها ولم يبق منها حرفٌ إلا بدَّلوه فهذا بعيدٌ، وكذا من قال لم يبدَّل شيء منها بالكلّية بعيدٌ أيضًا، والحق أنه دخلها تبديلٌ وتغيير، وتصرفوا في بعض ألفاظها بالزيادة والنقص، كما تصرّفوا في معانيها، وهذا معلوم عند التأمل، ولبسطه موضع آخر، والله أعلم، كما في قوله في قصة الذبيح: اذبح ابنك وحيدك، وفي نسخة: بكرك إسحاق، فلفظة إسحاق مُقحَمة مزيدة بلا مرية، لأن الوحيد وهو البكر إسماعيل، لأنه وُلِدَ قبل إسحاق بأربع عشرة (١) سنة، فكيف يكون الوحيد البكر إسحاق. وإنما حَمَلَهم على ذلك حَسَدُ العرب أن يكون إسماعيلُ هو الذبيح (٢)، فأرادوا أن يذهبوا بهذه الفضيلة لهم، فزادوا ذلك في كتاب الله افتراءً على الله وعلى رسوله وقد اغتر بهذه الزيادة خلقٌ كثير من السلف والخلف، ووافقوهم على أن الذبيح إسحاق، والصحيحُ الذبيحُ (٣) إسماعيل كما قدَّمنا، والله أعلم. وهكذا في توراة السامرة في العشر الكلمات زيادة الأمر بالتوجه إلى الطور في الصلاة، وليس ذلك في سائر نسخ اليهود والنصارى.

وهكذا يوجد الزبور (٤) المأثور عن داود مختلفًا كثيرًا، وفيه أشياء مزيدة ملحقة فيه (٥) وليست منه، والله أعلم.

قلت: وأما ما بأيديهم من التوراة المعرَّبة فلا يشكُّ عاقلٌ في تبديلها وتحريف كثير من ألفاظها، وتغيير القصص والألفاظ والزيادات والنقص البيّن الواضح، وفيها من الكذب البيِّن والخطأ الفاحش شيءٌ كثيرٌ جدًا، فأما ما يتلونه بلسانهم ويكتبونه بأقلامهم فلا اطّلاع لنا عليه، والمظنونُ بهم أنهم كَذَبةٌ خَوَنة يكثرون الفِرْية على الله ورسله وكتبه.

وأما النصارى، فأناجيلهم الأربعة من طريق مرقس ولوقا ومَتّى ويوحنا أشد اختلافًا وأكثر زيادة ونقصًا، وأفحش تفاوتًا من التوراة. وقد خالفوا أحكام التوراة والإنجيل في غير ما شيءً قد شرَّعوه لأنفسهم، فمن ذلك صلاتهم إلى الشرق، وليست منصوصًا عليها ولا مأمورًا بها في شيء من الأناجيل الأربعة. وهكذا تصويرهم كنائسهم، وتركهم الختان، ونقلهم صيامهم إلى زمن الربيع، وزيادته إلى خمسين يومًا، وأكلِهم الخنزير، ووضعهم الأمانة الكبيرة، وإنما هي الخيانة الحقيرة، والرهبانية وهي ترك التزويج لمن أراد التعبُّدَ وتحريمه عليه، وكتبهم القوانين التي وضعتها لهم الأساقفة الثلاثمئة والثمانية عشر، فكل هذه الأشياء ابتدعوها ووضعوها في أيام قسطنطين بن قسطن باني القسطنطينية، وكان زمنه


(١) في ط: عشر وهو خطأ.
(٢) في ب: أن يكون أبوهم هو الذبيح.
(٣) في ب: أن الذبيح.
(٤) في ط: في الزبور.
(٥) في ب: مزيدة وليست …