نُورٌ، فَرَفعُوا رُؤوسَهُمْ، فإذَا الرَّبُّ ﷿ قَدْ أشْرَفَ عَليْهِمْ منْ فَوْقِهِمْ، فقال: السَّلامُ عَلَيْكم يا أهْلَ الْجَنَّةِ" قال: "وذلك قولُهُ ﷿: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] قال:"فينظر إليهم، وينظرون إليْهِ، ولا يلتفتون إلى شَيْءٍ منَ النَّعيمِ ما دَامُوا يَنْظُرُون إليْهِ، حتَّى يَحْتَجبَ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى نُورُهُ، وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهمْ في دِيَارِهِمْ".
وقد رواهُ البَيْهقيُّ مُطَوَّلًا منْ هذا الوجْهِ، فقال: حدّثنا علِي بنُ أحمد بن عَبْدَان (١)، حدّثنا أحْمَد بن عُبَيْدٍ، حدّثنا الكُديمي، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إسماعيل أبُو يُوسُفَ السَّلَّالُ، حدّثنا أبو عاصِمٍ العَبَّادَانيُّ، عن الفَضْلِ بن عيسى الرَّقَاشيّ، عن محمدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ، عن جابر، قال رسولُ اللهِ ﷺ: "بَيْنَمَا أهْلُ الْجَنَّةِ في مَجْلِسٍ لَهُمْ، إذْ سَطَعَ لَهُمْ نُور على بابِ الْجَنَّةِ، فَرَفَعُوا رُؤوسَهُمْ، فإذا الرَّبُّ تعالى قد أشْرَفَ عليهم، فقال: يا أهلَ الْجَنَّةِ، سَلُوني، قالوا: نَسْألُكَ الرِّضَا عَنَّا، قال: رضاي عنكم أحَلَّكم دَاري، وأنالَكم كَرَامتي، هذا أوَانُها، فَسَلُوني، قالوا: نَسْألُكَ الزِّيادةَ، قال: فيُؤتَوْنَ بِنَجائبَ من ياقُوتٍ أحمر، أزِمَّتُها زُمُرُّدٌ أخْضرُ، ويَاقُوتٌ أحْمَرُ" قال: "فحملوا عليْهَا، تَضَعُ حَوافِرَهَا عِنْد مُنْتَهى طَرَفِها، فيَأْمُرُ اللهُ بأشْجارٍ عليْها الثِّمارُ، فتُتْحِفُهم من ثمارها، فتَجيءُ حَوَارٍ من الحُورِ العِينِ، وَهنَّ يَقُلْنَ: نَحْنُ النَّاعماتُ فَلا نَبْأس، وَنَحْنُ الخالِدَاتُ فلا نمُوت، أزْواجُ قَوْمٍ مُؤْمنينَ كِرام. وَيَأمُرُ اللهُ بكُثْبانٍ منْ مِسْكٍ أذْفَرَ، فتُثيرُه عَلَيْهمْ ريح يُقالُ لها: الْمُثيرَةُ، حتَّى تنْتهي بهمْ إلى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ قَصَبةُ الْجَنّةِ، فتَقُولُ الملائكةُ: يا رَبَّنا قَدْ جَاءَ أهل النِّعْمةِ وهمُ القوم، فيَقُولُ: مَرْحبًا بالصَّادقين، مَرْحبًا بالطَّائعينَ، مرحبًا بالمتقين" قال: "فيُكْشَفُ لَهُم الحِجابُ، فيَنْظُرُونَ إلى اللهِ ﷿ فيَتَمَتّعُون بِنُورِ الرَّحْمنِ، لا يُبْصرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثمَّ يَقولُ: أرْجِعُوهُم إلى قُصُورِهِمْ بالتُّحَفِ، فيَرْجِعُونَ وَقَدْ أبْصَرَ بَعْضُهُمْ بعْضًا" قال رسولُ اللهِ ﷺ: "وذلك قَوْلُ اللهِ ﷿: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٢] ". ثمَّ قال البَيْهقيّ: وقدْ مَضَى في هذا الكتابِ في كِتابِ الرُّؤيةِ ما يُؤيِّدُ ما رُوي في هذَا الْحَديثِ، والله أعلم.
وذكر أبو المَعَالِي الجُوَيْنيّ في "الرَّدِّ على السِّجِزِيّ" أنّ الرَّبَّ ﵎: إذا كَشَفَ الْحِجَابَ، وَتَجَلَّى لأهْلِ الْجَنَّةِ، تَدَفَّقَتِ الأنْهَارُ، وَاصْطَفَقَتِ الأشْجارُ، وَتَجَاوَبَتِ الأطيار والسُّررُ والغُرفات وما فيها بالصَّرير والتعظيم، والتسبيحات، والأعْيُنُ الْمُتَدَفِّقَاتُ بالْخرِير، وَاسْتَرْسَلَتِ الرِّيحُ المُثيرةُ وَبثَّتْ في الدُّورِ والقُصُورِ المِسْكَ الأذْفَرَ، وَالكافُورَ، وَغَرَّدَتِ الطُّيُورُ، وَأشْرَفَتِ الْحُورُ.
والفَضْلُ بنُ عيسى ضعيفٌ، ولكنْ رَوَى الضِّيَاءُ منْ حديثِ عبدِ اللهِ بن عبيد اللهِ، عن
(١) في (آ): محمد بن عبد الله بن عبدان، وهو خطأ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute