للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] (١) أي أنَّ الله تعالى يرفعُ دَرَجةَ الأولاد في الجَنّةِ إلى دَرَجةِ الآباء، وإنْ لم يعْمَلوا بعَملهمْ، ولا يَنْقصُ الآباءَ منْ أعمالِهمْ، حتَّى يَجْمعَ بينهمْ في الدَّرجةِ العالية لِيُقرَّ أعينهم باجتماعهم هم وذرياتهم.

قال الثّوريّ، عن عمرو بن مُرَّة، عنْ سَعيدِ بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس، قال: إنَّ الله ليرفعُ ذُرِّية الْمُؤْمنِ في دَرَجتهِ، وإنْ كانُوا دُونهُ في العَمل ليُقرّ بهم عَيْنهُ، ثمّ قرأ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١]. هكذا رواهُ ابن جرير، وابنُ أبي حَاتم، في "تفْسِيريهما" عن الثَّوْري مَوقُوفًا، وكذا رواهُ ابن جَرير، عنْ شُعْبَةَ، عنْ عَمْرو بن مرة، عن سعيدٍ، عنِ ابْن عَبَّاس مَوقوفًا، ورواه البزَّار في "مُسْنَدِه" وابن مَرْدَويهِ في "تفسِيره" منْ حدِيثِ قَيْسِ بن الرَّبيع، عن عَمرو، عنْ سعيد، عن ابْن عَبَّاسٍ، عنِ النَّبيِّ ، وروايةُ الثوري وشُعْبة في الوقف أثْبَتُ، والله أعلم (٢).

وروى ابن أبي حاتم من حديثِ الليْثِ، عنْ حَبيب بن أبي ثابتٍ، عنْ سَعيد بن جُبَيْر، عنِ ابن عبَّاس في هذهِ الآية، قال: هم ذُرِّيةُ المُؤْمن يمُوتُونَ على الإيمان، فإنْ كانتْ منازلُ آبائهمْ أرْفَعَ منْ منَازِلهمْ ألْحقُوا بآبائهم، ولمْ يُنْقَصُوا منْ أعمالهم التي عملوا شيئًا.

وقال الطَّبرانيّ: حدّثنا الحسين بنُ إسحَاقَ التُّسْتَريّ (٣)، حدّثنا مُحمَّد بن عبد الرَّحمن بن غَزْوَانَ، حدّثنا شَريكٌ، عنْ سَالم الأفْطَسِ، عنْ سَعيد بن جُبَيْر، عنِ ابْن عباس، أظُنُّه عن النَّبيِّ قال: "إذا دَخل الرَّجُلُ الْجَنَّةَ سَأل عنْ أبويْه وزَوْجَتِهِ ووَلدهِ، فيقالُ: إنهمْ لم يَبْلُغوا درَجَتك، فَيَقُولُ: يا ربِّ، قدْ عملتُ لي ولهمْ، فيُؤْمَر بإلحَاقهمْ بهِ" وقَرَأ ابن عبَّاسِ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ … ﴾ الآية (١) " (٤).

وقال العَوفيّ، عنِ ابن عبَّاس في هَذِه الآية: وَالذين أدْرَكَ ذُرِّيَّتُهُم الإيمانَ فعَملوا بطاعتي ألْحَقْتُهُم بإيمانهم إلى الجنَّةِ، وأولادُهُم الصِّغَارُ تُلْحقُ بهمْ. وهذا التَّفسيرُ هوَ أحدُ أقوَالِ العُلَماء في مَعْنى الذُّرِّيةِ هنا: أهُمُ الصِّغارُ فَقط، أو يشملُ الصِّغارَ وَالْكبَارَ أيضًا، كقَولهِ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ .. ﴾ الآية [الأنعام: ٨٤]، وقال: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ٣] وقال ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: ٣٤]


(١) كذا النسخ على قراءة أبي عمرو، وعلى رواية حفص، عن عاصم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾.
(٢) رواه البزار (١٢٦٠ - كشف الأستار).
(٣) كذا في الأصول: والذي في المعجم الكبير للطبراني (١٢٢٤٨) محمد بن عبد الله الحضرمي.
(٤) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٢٢٤٨) وفي "المعجم الصغير" رقم (٦٤٠) وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، قال غير واحد: كان يضع الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>