للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ وذلك لأنه لما كان يثمر النَّبق كان قليلًا مع أنه ذو شوك كثير وثمره بالنسبة إليه كما يقال في المثل: لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيُرتقى ولا سمين فينتقى (١). ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ أي: إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر بنا وكذّب رسلَنا وخالف أمرنا وانثهك محارمنا.

وقال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ وذلك أنهم لما هلكت أموالهمِ وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها، فتفرَّقوا في غَور البلاد ونجدها أيدي سبأ شَذر مَذَر، فنزلت طوائف منهم الحجاز؛ ومنهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة، وكان من أمرهم ما سنذكره. ومنهم الأوس والخزرج، نزلوا بيثرب وهي (٢) المدينة النبوية (٣)، اليوم، فكانوا أول من سكنها، ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع، وبنو قريظة، وبنو النضير، فحالفوا الأوس والخزرج، وأقاموا عندهم، وكان من أمرهم ما سنذكره. ونزلت طائفة أخرى منهم الشام، وهم الذين تنصَّروا فيما بعد، وهم غسان وعاملة وبهراء ولخم وجذام وتنوخ وتغلب وغيرهم، وسنذكرهم عند ذكر فتوح الشام في زمن الشيخين .

قال محمد بن إسحاق (٤): حدّثني أبو عبيدة قال: قال الأعشى بن قيس بن ثعلبة، وهو ميمون بن قيس (٥). [من المتقارب]

وفي ذاكَ للمؤْتَسي أُسْوةٌ … ومأربُ عَفَّى عليها العَرِنمْ (٦)

رُخام بَنَتْه لهم حِميرٌ … إذا جاءَ موَّارُه لم يرم (٧)

فأَروى الزّروع وأعنَابها … على سَعَةٍ ماؤُهم إذ قَسَم

فصاروا أياديَ لا يقدِرون … على شُربِ طفلٍ إذا ما فُطِم (٨)


(١) هو جزء من حديث أم زرع الطويل، رواه البخاري رقم (٥١٨٩) ومسلم رقم (٢٤٤٨) وقد شرحه شرحًا مطولًا في رسالة القاضي عياض.
(٢) قوله: الأوس و .. إلى هنا، زيادة من ب.
(٣) في ط: المنورة.
(٤) السيرة (١/ ١٤). وفيه: قال أعشى بني قيس بن ثعلبة .. وهذا هو الصحيح الأعلى.
(٥) ديوانه (ص ٩٣) من القصيدة الرابعة، ومطلعها: [من المتقارب]
أتهجر غائبة أم يُلمْ … أم الحبلُ واهٍ بها مُنجذِمْ
وقالها يمدح قيس بن معد يكرب.
(٦) في ط. ومأرم وهو سهو. وفي الديوان: قفَّى.
(٧) في الديوان: إذا جاءه ماؤهم لم يرِم.
(٨) في ب: لا يقدرون منه على شرب طفل إذا ما فطم، وعليه يختل الوزن. وأثبت ما في ط. وفي أ. سقطت لفظة =