للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فغلبت خُزاعة وهم بنو بكر بن عبد مناة وغبشان، وأجلوا جرهمًا (١) عن البيت، فعمد عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي، وهو سيدهم إلى غَزَالَي الكعبة، وهما (٢) من ذهب، وحجر الركن وهو الحَجَرِ الأسود، وإلى سيوف محلَّاة، وأشياء أُخر فدفنها في زمزم، وعلَّمَ زمزم وارتحل بقومه فرجعوا إلى اليمن. ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن مضاض (٣): [من الطويل]

وقَائلةٍ والدَّمعُ سَكْبٌ مُبادرٌ … وقَدْ شَرِقتْ بالدمع منها المحاجرُ

كأنْ لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا … أنيسٌ ولم يسمُر بمكّة سامرُ

فقلتُ لها والقلبُ مِنّي كأنما … يُلجلجُه بين الجناحَيْن طائرُ (٤)

بلى نحنُ كنّا أهلَها فأزالنا … صُروفُ الليالي والجدودُ العواثر (٥)

وكنا ولاةَ البيت من بعد نابتٍ … نَطوْت بذاك البيت والخيرُ ظاهر

ونحن وَلينا البيتَ من بعد نابتٍ … بعزّ فما يحظى لدينا المُكاثر

ملَكنا فعزَّزْنا فأعظِمْ بمُلْكِنا … فليس لحيّ غيرنا ثَمَّ فاخر

ألم تنكحوا من خيرِ شخصٍ علمتمُ … فأبناؤه منّا ونحنُ الأصاهر (٦)

فإن تنثنِي الدنيا علينا بحالها … فإنّ لها حالًا وفيها التشاجُرُ

فأخرجَنا منها المليكُ بقُدرةٍ … كذلك، يا للناسِ، تجري المقادِرُ

أقولُ إذا نام الخليّ ولم أنم … أذا العرشُ لا يبعد سُهيلٌ وعامر

وبُدِّلْتُ منها أوجُهًا لا أحِبُّها … قبائل منها حِمْيَرٌ ويُحابر

وصِرْنا أحاديثًا وكُنَّا بغبطةٍ … بذلك عضَّتنا السَّنونَ الغوابر

فَسخَّتْ دُموعُ العَين تبكي لبلدةٍ … بها حَرَمٌ أمْنٌ وفيها المشاعر (٧)

وتبكي لبيتٍ ليس يؤذَى حَمامُه … يَظلّ (به) أمنًا وفيه العَصَافر (٨)

وفيه وحوشٌ لا تُرام أنيسةٌ .. إذا خرجَتْ منه فليست تُغادر


(١) في ط: وأجلوهم.
(٢) وهما: زيادة من ط.
(٣) السيرة (١/ ١١٤)، والروض الأنف (١/ ١٣٦) وما بعدها، والأبيات فيهما.
(٤) البيت زيادة من ط. وهو كذلك في السيرة، والروض الأنف.
(٥) صروف الدهر: نوائبه. والجدود: الحظوظ.
(٦) في ب، وط. والسيرة، والروض: علمته.
(٧) المشاعر: المواضع المشهورة في الحج الي يتعبَّد بها.
(٨) زيادة من ب، وط. والسيرة، والروض، يستقيم بها الوزن. وقوله: العصافر: أراد العصافير، وحذف الياء ضرورة.