للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستمرت خزاعة على ولاية البيت نحوًا من ثلاثمئة سنة، وقيل: خمسمئة سنة. والله أعلم.

وكانوا مشؤومين (١) في ولايتهم، وذلك لأن في زمانهم كان أول عبادة الأوثان بالحجاز، وذلك بسبب رئيسهم عَمرو بن لُحي لعنه الله، فإنه أول من دعاهم إلى ذلك (٢)، وكان ذا مالٍ جزيل جدًا. يقال: إنه فقأ عين (٣) عشرين بعيرًا، وذلك عبارة عن أنه ملك عشرين ألف بعير، وكان من عادة العرب أنّ من ملك ألف بعير فقأ عين واحد منها كأنه (٤) يدفع بذلك العين عنها. وممن ذكر ذلك الأزرقي.

وذكر السهيلي: أنه ربما ذَبح أيام (٥) الحجيج عشرة آلاف بَدَنة، وكسا عشرة آلاف حُلَّة في كلّ سنة يطعم العرب ويحيس لهم الحيس بالسمن والعسل، ويلتُّ لهم السَّويق (٦). قالوا: وكان قولُه وفعلُه فيهم كالشرع المتّبع لشرفه فيهم، ومحلته عندهم، وكرمه عليهم.

قال ابن هشام (٧): حدّثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لُحَي خرج من مكة إلى الشام في بعض أُموره، فلما قدم مآبَ من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق، وهم ولد عِمْلاق، ويقال: ولا (٨) عمليق ابن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصر بها (٩) فتنصرنا. فقال لهم: ألا تعطوني منها صنمًا فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه. فأعطوه صنمًا يقال له: هبل، فقدِم به مكَة فنصبَه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.

قال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يَظْعَنُ من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفَسَحَ في البلاد (١٠) إلا حمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم، فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سَلَخَ ذلك


(١) في ط: وكانوا سوس.
(٢) الأصنام لابن الكلبي (٨)، واللباب للسيوطي (١/ ٤٣٩)، والسيرة (١/ ٧٦)، والروض الأنف (١/ ٩٩) وما بعدها، والأوائل للعسكري ص (٤٨ ط. السعودية ١٩٦٦).
(٣) في ط: أعين.
(٤) في ط: لأنه.
(٥) في ب: زمن.
(٦) الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدًا. واللت: الدَّقَّ، والفتّ، والسحق. والسويق: ضرب من الطعام.
(٧) السيرة (١/ ٧٧).
(٨) ليست في ب، والسيرة.
(٩) في ط: ونستنصرها. وكذلك في السيرة.
(١٠) زيادة من ط. توافق نص السيرة.