للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبراهيم ويسأل عنه، ولم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصلَ والجزيرة كلَّها، ثم أقبل حتى أتى الشامَ، فجال فيها حتى أتى راهبًا ببيعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال له الراهب: إنك لتسأل عن دينٍ ما أنت بواجدٍ مَن يحملك عليه اليوم، لقد دَرَسَ مَنْ عَلِمَهُ، وذهب مَن كان يعرفه، ولكنه قد أظَلَّ (١) خروج نبي وهذا زمانه. وقد كان شام (٢) اليهودية والنصرانية فلم يرضَ شيئًا منها، فخرج سريعًا حين قال له الراهب ما قال يريدُ مكةَ، حتى إذا كان بأرض لخمٍ عدَوا عليه فقتلوه، فقال ورقةُ يرثيه:

رَشَدْتَ وأَنْعَمْتَ ابنَ عَمْروٍ وإنما … تجنَّبْتَ تَنُّورًا مِن النارِ حاميا

بِدينكَ ربًّا لَيسَ ربٌّ كمِثلِه … وتركِك أوثانَ الطواغي كما هيا

وقد تُدرِكُ الإنسانَ رَحْمةُ ربه … ولو كان تحتَ الأرض ستين واديا (٣)

وقال محمد بن عثمان بن أبي شَيبة: حدّثنا أحمد بن طارق الوابِشي (٤) حدّثنا عمرو بن عطية، عن أبيه، عن ابن عمر، عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه كان يتألَّ في الجاهلية، فانطلق حتى أتى رجلًا من اليهود، فقال له: أحبُّ أن تُدخلني معك في دينك. فقال له اليهودي: لا أُدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من غضب الله. فقال: من غضب الله أفِرُّ! فانطلق حتى أتى نَصْرانيًا فقال له: أحب أن تُدخلني معك في دينك. فقال: لستُ أُدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من الضلالة. فقال: من الضلالة أفِرُّ! قال له النصراني فإن أدلك (٥) على دين إن تبعتَه اهتديتَ. قال: أيّ دين؟ قال: دين إبراهيم. قال: فقال: اللهمّ إني أُشهدُك أني على دين إبراهيم، عليه أحيا وعليه أموت. قال فذُكِر شأنُه للنبي فقال: "هو أمةٌ وحدَه يوم القيامة" (٦).

وقد روى موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر نحو هذا (٧).

وقال محمد بن سعد: حدّثنا علي بن محمد بن عبد الله بن سيف القُرشي، عن إسماعيل بن مجالد (٨)


(١) في ب: أظلك. وكذلك في مختصر تاريخ دمشق. وفي السيرة: أظل زمان نبي يخرج.
(٢) شام: اختبر.
(٣) الخبر في السيرة (١/ ٢٣١ - ٢٣٢)، ومختصر تاريخ دمشق (٩/ ١٦٤ - ١٦٥)، وسير أعلام النبلاء (١/ ١٣٥).
(٤) الوابِشِي: نسبة إلى وابِ بن زيد. اللباب (٣/ ٣٤٣).
(٥) في ب: فإني لأدلك.
(٦) مختصر تاريخ دمشق (٩/ ١٦٥). وقد خرّج الشيخ شعيب الأرناؤوط هذا الحديث في سير أعلام النبلاء (١/ ١٣٠).
(٧) أخرجه البخاري رقم (٣٨٢٧) في مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل. وأورده أبو الفرج في الأغانى (ثقافة) (٣/ ١٢٠ - ١٢١).
(٨) في ط: إسماعيل عن مجالد عن الشعبي.