للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحارث: ذُدْ عني حتى أحفر، فوالله لأمضيّن لما أُمرتُ به. فلما عرفوا أنه غير نازع (١) خلّوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه، فلم يحفر إلا يسيرًا حتى بدا له الطّي، فكبَّر، وعرف أنه قد صُدِق. فلما تمادى به (٢) الحفر وجد فيها غزالين من ذهب اللذين (٣) كانت جرهم قد دفنتهما، ووجد فيها أسيافًا قَلَعِيَّةً وأدرعًا. فقالت له قريش: يا عبدَ المطّلب لنا معك في هذا شِرْك وحق. قال: لا، ولكن هَلُمّ إلى أمر نَصَفٍ بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح. قالوا: وكيف نصنع؟ قال: أجعلُ للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شيء كان له، ومن تخلّف قدحاه فلا شيء له. قالوا: أنصفت. فجعلَ للكعبة قدحين أصفرين، وله أسودين، ولهم أبيضين، ثم أعطوا القداح للذي يضرب عند هُبل، وهُبل أكبر أصنامهم، ولهذا قال أبو سفيان يوم أحد: أعلُ هُبَل. يعني هذا الصنم. وقام عبد المطلب يدعو الله (٤).

وذكر يونس بن بُكير، عن محمد بن إسحاق أن عبد المطلب جعل يقول: [من الرجز]

لاهُمّ أنتَ الملِكُ المحمود … ربي فأنتَ المُبدِئُ المعياد (٥)

وممسك الراسيةِ الجلمودِ … مِن عندك الطارفُ والتليد

إن شئتَ ألهمتَ كما تريد … لموضع الحِليةِ والحديد

فبيّن اليوم لما تريد … إني نَذَرتُ العاهدَ المعهود

اجعله ربِّ لي فلا أعود

(٦) قال: وضرب صاحب القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش. فضرب عبد المطلب الأسياف بابًا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب، فكان أول ذهب حلية للكعبة فيما يزعمون. ثم إن عبد المطلب أقام سِقاية زمزم للحجاج.

وذكر ابن إسحاق وغيره أن مكة كان فيها بئار كثيرة قبل ظهور زمزم في زمن عبد المطلب، ثم عدّدها


(١) نزع عن الأمر نزوعًا: كف وانتهى.
(٢) زيادة من ب، ط، والسيرة. وفي السيرة: عرفوا أنه قد صدق.
(٣) في ط: غزالتين .. اللتين.
(٤) السيرة (١/ ١٤٥ - ١٤٦). والنص القادم ليس في السيرة، لأنه من رواية يونس، وإنما هذب ابن هشام رواية البكائي عن ابن إسحاق.
(٥) في ط: اللهم … أنت.
(٦) تتمة خبر ابن إسحاق.