للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان من أعظم نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، بعد أن خلقهم ورزقهم ويسَّر لهم السبيل (١)، وأنطقهم، أن أرسل رُسُله إليهم، وأنزل كُتُبهُ عليهم، مبيِّنة حلاله وحرامه، وأخباره وأحكامه، وتفصيل كل شيءٍ في المبدأ والمعاد [إلى] (٢) يوم القيامة؛ فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم، والأوامر بالانقياد، والنواهي بالتعظيم، ففاز بالنعيم المقيم، وزُحْزح عن مقام المكذِّبين في الجحيم ذات الزقّوم والحميم، والعذاب الأليم.

أحمده حمدًا كثيرًا طيبًا (٣) مباركًا فيه، يملأ أرجاء السماوات والأرضين، دائمًا أبد الآبدين، ودهرَ الداهرين، إلى يوم الدِّين، في كل ساعة وآنٍ ووقت وحين، كما ينبغي لجلاله العظيم، وسلطانه القديم ووجهه الكريم.

وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريكَ له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا نظير له، ولا وزير ولا مشير له، ولا عديد ولا نديد (٤) ولا قسيم. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، وحبيبه وخليله، المصطفى من خُلاصة العرب العَرْباء من الصميم، خاتم الأنبياء، وصاحب الحوض الأكبر الرَّواء، صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة، وحامل اللواء الذي يبعثه اللَّه تعالى المقامَ المحمود الذي يرغب إليه فيه الخلقُ كلُّهم؛ حتى الخليل إبراهيم وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وسلَّم وشرَّف وكرَّم أزكى صلاةٍ وتسليم، وأعلى تشريف وتكريم، ورضي اللَّه عن جميع أصحابه الغرِّ الكرام، السادة النجباء الأعلام، خلاصة العالم بعد الأنبياء، ما اختلط الظلام بالضياء، وما أعلن الداعي بالنداء، وما نسخ النهارُ ظلام الليل البهيم.

أما بعد:

فهذا كتابٌ أذكر فيه -بعون اللَّه وحسن توفيقه- ما يسَّرَه اللَّه تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي والسموات والأرضين وما فيهن، وما بينهنّ من الملائكة والجان والشياطين، وكيفيَّة خلق آدم ، وقصص النبيين، وما جرى مجرى ذلك إلى أيام بني إسرائيل وأيام الجاهلية، حتى تنتهي النبوّة (٥) إلى أيام نبيّنا محمد (٦)، فنذكر سيرته كما ينبغي، فتشفي الصدور والغليل، وتزيح الداءَ عن العليل.


(١) في أ: ويسرهم.
(٢) زيادة من المطبوع.
(٣) قوله: كثيرًا طيبًا. سقطت من ب.
(٤) في ب: ولا عديل ولا نديد له ولا قسيم. والعديد: النظير.
(٥) في أ: النوبة.
(٦) في ب: صلوات اللَّه وسلامه عليه.