للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملائكة الكرامُ تحفُّه الكُرْوبيُّوْن (١) -عليهم الصلاة والسلام- ولهم زَجلٌ (٢) بالتقديس والتعظيم.

وكذا أرجاء السماوات مشحونة بالملائكة، ويفدُ منهم في كل يوم سبعون (٣) ألفًا إلى البيت المعمور بالسماء السابعة (٤)، لا يعودون إليه، آخِرَ ما عليهم في تهليل وتحميد وتكبير وصلاة وتسليم.

ووضع الأرض للأنام على تيار الماء، وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك [فيها] (٥) وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام قبْل خلق السماء، وأثبت فيها من كل زوجين اثنين، دلالة للألبَّاء، من جميع ما يحتاج العباد إليه في شتائهم وصيفهم، ولكل ما يحتاجون إليه ويملكون من حيوان بهيم.

وبدأ خلق الإنسان من طين، وجعل نسله من سلالة من ماءٍ مهينٍ، في قرارٍ مَكِيْن، فجعله سميعًا بصيرًا، بعد أن لم يكن شيئًا مذكورًا، وشرَّفه بالعلم والتعليم.

خلق بيده الكريمة آدمَ أبا البشر، فصوَّر جُثَّته، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وخلق منه زوجَه حواء أُمّ البشر، فآنس بها وحْدَتَه، وأسكنهما جنته، وأسبغ عليهما نعمته. ثم أهبطهما إلى الأرض، لما سبق في ذلك من حكمة الحكيم. وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، وقسمهم بقدره العظيم ملوكًا ورعايا (٦)، وفقراء وأغنياء، وأحرارًا وعبيدًا، وحرائر وإماءً. وأسكنهم أرجاء الأرض، طولها والعرض، وجعلهم خلائف فيها يخلف البعضُ البعض (٧)، إلى يوم الحساب والعرض على الحكيم العليم (٨). وسخر لهم الأنهار من سائر (٩) الأقطار، تشقُّ (١٠) الأقاليم إلى الأمصار، ما بين صغار وكبار، على مقدار الحاجات والأوطار، وأنبع لهم العيون والآبار، وأرسل عليهم السحاب (١١) بالأمطار، فأنبت لهم سائر صنوف الزُّروع (١٢) والثمار. وآتاهم من كل ما ساْلوه بلسان حالهم وقالهم: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤] فسبحان الكريم العظيم الحليم.


(١) الكروبيون: سادة الملائكة وهم المقربون. النهاية لابن الأثير (٤/ ١٦١) واللسان (كرب).
(٢) الزجل: رفع الصوت الطَّرِب. وقال ابن الأثير: صوت رفيع عالي. النهاية (٢/ ٢٩٧).
(٣) في ب: سبعين؛ وهو خطأ.
(٤) في المطبوع: الرابعة.
(٥) زيادة من ب.
(٦) في المطبوع: ورعاة.
(٧) في ب: "البعض منهم البعض"، والعبارة من غير "منهم" أجود.
(٨) في ب: على العليم الحكيم.
(٩) سائر، بمعنى الجميع، خطأ شائع، والصحيح استخدامها بمعنى البقية.
(١٠) قوله: تشق. والأوطار؛ سقطت من "ب".
(١١) في المطبوع: السحاب.
(١٢) في ب: الزرع.