للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفعلي، فعسى أنْ يجعلَ الله لنا فيه بركة. فذهبتُ فأخذتُه، فوالله ما أخذته إلا أني لم أجدْ غيرَه؛ فما هو إلَّا أن أخذتُه فجئت به رَحْلي، فأقبل عليه ثديايَ بما شاء من لبن، فشرب حتى رَوِي، وشرب أخوه حتى رَوِي. وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شَرِب وشربتُ حتى رَوينا؛ فبتنا بخير ليلة، فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة [والله] (١) إني لأراك قد أخذتِ نَسَمَةً مباركة، ألم ترَيْ ما بتنا به الليلةَ من الخير والبركة حين أخذناه؟! فلم يزلِ الله ﷿ يَزِيدُنا خيرًا. ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا، فوالله لقطعتْ أتاني بالرَّكْب حتى ما يتعلَّق بها حمار، حتى إنَّ صواحبي ليقلن: ويلك يا بنتَ أبي ذؤيب! هذه أتانك التي خرجتِ عليها معنا؟ فأقول: نعم، والله إنها لهي، فقلن: والله إنَّ لها لشأنًا!. حتى قدمنا أرضَ بني سعد، وما أعلمُ أرضًا من أرض الله أجْدَبَ منها، فإنْ كانتْ غنمي لتَسْرَحُ ثم تَرُوح شِبَاعًا لُبَّنًا، فنحلُب ما شئنا وما حوالينا -أو حولنا- أحا تَبِضُّ له شاةٌ بقطرةِ لبن، وإنَّ أغنامَهُم لتروحُ جياعًا، حتى إنهم ليقولون لرعاتهم -أو لرعيانهم-: ويحكم، انظروا حيث تَسْرَحُ غنمُ بنتِ أبي ذؤيب فاسْرَحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيثُ تسرح، فتروحُ أغنامُهم جياعًا ما فيها قطرةُ لبن، وتروح أغنامي شِبَاعًا لُبَّنًا، نحلُب ما شئنا؛ فلم يزلِ الله يُرينا البركة ونتعرَّفها حتى بلغ سنتيه، فكان يَشِبُّ شبابًا لا تَشِبُّه الغِلْمان، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلامًا جَفْرًا (٢)، فقدِمنا به على أمِّه ونحن أضَنُّ شيءٍ به مما رأينا فيه من البركة؛ فلما رأته أمه قالت لها: يا ظِئْر دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى، فإنَّا نخشى عليه وَبَاءَ مكة. فوالله ما زلنا بها حتى قالت: فنعم. فسرَّحَتْه معنا، فأقمنا به شهرَيْن أو ثلاثة، فبينا هو خلفَ بيوتِنا مع أخٍ له من الرَّضاعة في بَهْمٍ لنا جاءنا أخوه ذلك يشتّد (٣)، فقال: ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثيابٌ بيض، فأضجعاه، فشقَّا بطنه. فخرجتُ أنا وأبوه نشتدُّ نحوه، فنجده قائمًا مُمْتَقَعًا (٤) لونه. فاعتنقه أبوه وقال: يا بني ما شأنك؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، أضجعاني وشقَّا بطني، ثم استخرجا منه شيئًا، فطرحاه ثم ردَّاه كما كان. فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خَشِيتُ أن يكون ابني قد أصيب، فانطلقي بنا نردَّهُ إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوَّف.

قالت حليمة: فاحتملناه فلم تُرَعْ أمُّه إلا به، فقدمنا [به] (٥) عليها فقالت: ما ردَّكما [به يا ظئر] (٥) فقد كنتما عليه حريصَيْن؟ فقالا: لا والله، إلَّا أنَّ الله قد أدَّى عنا وقضينا الذي علينا وقلنا: نخشى الإتلاف والأحداث، نردُّه إلى أهله. فقالت: ما ذاك بكما؟ فاصْدُقاني شأنكما. فلم تَدْعنا حتى


(١) ما بين المعقوفين ليس في ح، وهو في بعض مصادر التخريج وسيرة ابن إسحاق.
(٢) في اللسان (جفر): وفي حديث حليمة ظئر النبي ، قالت: كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، فبلغ ستًا وهو جفر. قال ابن الأثير: استجفر الصبي، إذا قوي على الأكل.
(٣) "يشتد": يعدو. اللسان (عدو). وفي شرح المواهب (١/ ١٨٠): يسرع في المشي.
(٤) "ممتقعًا": متغيِّرًا. وفي ط ومصادر التخريج: منتقعًا بالنون، وهو بمعناه.
(٥) ما بين المعقوفين ليس في ح، وهو في بعض مصادر التخريج وسيرة ابن إسحاق.