للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاكم (١) والبيهقي (٢) وابن عساكر (٣)، من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم، عن عباس بن محمد الدُّوري به.

وهكذا رواهُ غيرُ واحدٍ من الحفاظ، من حديث أبي نَوْح عبدِ الرحمن بن غَزْوان الخُزاعي مولاهم -ويقال له (٤) الضَّبِّيّ- ويُعرف بقُرَاد، سكن بغداد وهو من الثقات الذين أخرجَ لهم البخاري؛ ووثَّقَهُ جماعةٌ من الأئمَّةِ والحُفَّاظ، ولم أرَ أحدًا جَرَّحَه، ومع هذا في حديثهِ هذا غرابة؛ قال الترمذي: حسنٌ غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقال عبَّاس الدُّوري: ليس في الدنيا أحد يحدث به غَيْرُ قُراد أبي نوح، وقد سمعه منه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن مَعين لغرابته وانفراده. حكاهُ البيهقيُّ (٥) وابن عساكر.

قلت: فيه من الغرابة أنه من مرسلاتِ الصحابة، فإنَّ أبا موسى الأشعري إنما قدِم في سنةِ خَيْبَر سنة سبع من الهجرة، ولا يُلتفتُ إلى قول ابن إسحاق في جَعْلِهِ له من المُهاجِرةِ إلى أرض الحبشةِ من مكة، وعلى كُلِّ تقدير فهو مُرْسَل؛ فإنَّ هذه القصة كانت ولرسولِ الله من العمر فيما ذكره بعضُهم ثنتا عشرةَ سنة، ولعل أبا موسى تلقَّاه من النبيِّ فيكون أبلغ، أو من بعضِ كبارِ الصحابة ، أو كان هذا مشهورًا مذكورًا أخذه من طريق الاستفاضة.

الثاني: أنَّ الغمامةَ لم تُذكر في حديثٍ أصَحَّ من هذا.

الثالث: أنَّ قولَهُ: وبعث معه أبو بكر بلالًا، إنْ كان عمره إذْ ذاك ثنتي عشرةَ سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة، وعمُر بلالٍ أقلُّ من ذلك، فأين كان أبو بكر إذ ذاك؟ ثم أين كان بلال؟ كلاهما غريب، اللهمَّ إلا أنْ يُقال: إنَّ هذا كان ورسولُ الله كبيرًا؛ إمَّا بأنْ يكونَ سفرُه بعد هذا؛ أو إنَّ القول (٦) بأنَّ عُمُرَهُ كان إذ ذاك ثنتيْ عشرةَ سنةً غيرُ محفوظ، فإنَّهُ إنما ذكرَهُ مقيدًا بهذا الواقدي (٧).

وحكى السُّهيلي عن بعضهم أنه كان عمره إذ ذاك تسع سنين والله أعلم (٨).


(١) في المستدرك (٢/ ٦١٥ - ٦١٦).
(٢) انظر الحاشية الأولى من هذه الصفحة.
(٣) مختصر ابن منظور لتاريخ ابن عساكر (٢/ ٦).
(٤) ليست له في ح.
(٥) دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٦).
(٦) في ط: إن كان القول. بزيادة كان، وليست في ح.
(٧) هذا النقد قال به قبله الذهبي في السيرة (١/ ٥٨ - ٥٩) لذلك استنكره جدًا، والحمل فيه على أبي نوح عبد الرحمن بن غزوان المعروف بقراد، وينظر بلابد تعليقي على الترمذي (بشار).
(٨) انظر قول السهيلي في الروض (١/ ٢٠٦).