للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الواقدي (١): حدّثني محمد بن صالح، وعبد الله بن جعفر، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحُصَين، قالوا: لما بلغ رسولُ الله اثنتيْ عشرةَ سنةً خرج به عمُّه أبو طالب إلى الشام في العير التي خرج فيها للتجارة، ونزلوا بالراهب بَحِيرى، فقال لأبي طالب في السرِّ (٢) ما قال، وأمره أن يحتفظ به، فردَّه معه أبو طالب إلى مكة.

[وشبَّ رسولُ الله مع أبي طالب، يَكْلَؤُه الله ويحفظه ويحوطُه من أمور الجاهلية ومعايبها، لما يريدُ من كرامته، حتى بلغ أنْ كان رجلًا أفضلَ قومه مروءةً، وأحسنهم خلقًا، وأكرمَهم مخالطةً، وأحسنهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا وأمانة، وأصدقهم حديثًا، وأبعدهم من الفحش والأذى] (٣). ما رُئي ملاحيًا ولا مماريًا أحدًا، حتى سمَّاه قومُه الأمين، لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة، فكان أبو طالب يحفظه ويحوطه وينصره ويعضُده حتى مات.

وقال محمد بن سعد (٤): أخبرنا خالد بن خِدَاش (٥)، حدّثنا معمر بن سليمان: سمعتُ أبي يحدِّث عن أبي مِجلَز أنَّ عبد المطلب أو أبا طالب -شكَّ خالد- قال: لما مات عبد الله عطف على محمد [] فكان لا يسافر سفرًا إلا كان معه فيه، وإنه توجَّه نحو الشام، فنزل منزلًا، فأتاه فيه راهب فقال: إنَّ فيكم رجلًا صالحًا. [فقال: إن فينا من يَقْرِي الضيف، ويفكُّ الأسير، ويفعل المعروف. أو نحوًا من هذا.] ثم قال: أين أبو هذا الغلام؟ قال فقال: ها أنا ذا وَلِيُّه -أو قيل هذا وليُّه- قال: احتفظْ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام، إنَّ اليهودَ حُسُد، وإني أخشاهم عليه. قال: ما أنت تقول ذلك، ولكنَّ الله يقوله. فردَّه. قال: اللهمَّ إني أستودِعُكَ محمدًا. ثم إنه مات.

حكى السُّهيلي (٦) عن سِيَرِ الزهري أنَّ بَحِيرى كان حَبْرًا من أحبار اليهود.

قلت: والذي يظهرُ من سياقِ القصَّة أنه كان راهبًا نصرانيًا. والله أعلم.

وعن المسعودي أنه كان من عبد القيس وكان اسمه جِرْجِيس (٧).

وفي كتاب المعارف لابن قتيبة (٨): سُمع هاتفٌ في الجاهلية قبل الإسلام بقليل يهتف ويقول: ألا إن


(١) انظر قول الواقدي في طبقات ابن سعد (١/ ١٢٠، ١٢١).
(٢) في ح: بالسر، وفي الطبقات: في النبي .
(٣) ما بين المعقوفين في سيرة ابن إسحاق بخلاف يسير، وسيذكره المصنف فى الصفحة التالية.
(٤) في الطبقات (١/ ١٢٠) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٥) في ط: خالد بن معدان، والمثبت من ح وطبقات ابن سعد.
(٦) في الروض (١/ ٢٠٥).
(٧) كذا في ح، ط، والضبط من شرح المواهب (١/ ٢٣٤) وفي الروض: سَرْجِس نقلًا عن المسعودي.
(٨) المعارف (ص ٥٨).