للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من باب بني شَيْبَة، فأمر بثوب، فوضع، [فأخذ] الحجر [ووضعه] في وسطه، وأمر كلَّ فَخِذٍ أنْ يأخذوا بطائفة من الثوب، فرفعوه، وأخذه رسولُ الله فوضعه.

قال يعقوبُ بن سفيان (١): أخبرني أصْبَغ بن فَرَج، أخبرني ابنُ وَهْب عن يونس عن ابن شهاب قال: لما بلغ رسول الله الحُلُم، أجْمرَتِ امرأةٌ الكعبة (٢) فطارتْ شرارةٌ من مِجْمَرها في ثياب الكعبة فاحترقتْ، فهدموها، حتى إذا بنوها فبلغوا موضعَ الرُّكْن اختصمتْ قريش في الرُّكْن، أيُّ القبائل تلي رفعه؟ فقالوا: تعالوا نُحَكِّم أولَ مَنْ يطلع علينا، فطلع عليهم رسول الله وهو غلام عليه وشاحُ نَمِرة، فحكَّموه، فأمر بالركن فوضع في ثوب، ثم أخرج سيدَ كلِّ قبيلةٍ فأعطاهُ ناحيةً من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن، فكان هو يضعه، فكان لا يزدادُ على السِّنِّ إلا رِضى، حتى دعَوْهُ الأمين قبل أن ينزل عليه الوَحْي، فطفِقُوا لا ينحرون جَزُورًا إلا التمسوه، فيدعو لهم فيها.

وهذا سياقٌ حَسَن، وهو من سِيَر الزُّهْري، وفيه من الغرابة قوله: فلما بلغ الحُلُم. والمشهور أنَّ هذا كان ورسول الله عمره خمسٌ وثلاثون سنة، وهو الذي نصَّ عليه محمد بن إسحاق بن يسار .

وقال موسى بن عُقْبة: كان بناءُ الكعبة قبل المَبْعَث بخمس عشرة سنة. وهكذا قال مجاهد، وعروة، ومحمد بن جُبير بن مُطْعِم وغيرهم. فالله أعلم.

وقال موسى بن عُقْبة: كان بين الفجار وبين بناء الكعبة خمس عشرة سنة.

قلت: وكان الفِجَار وحِلْفُ الفُضُول في سنةٍ واحدة، إذْ كان عُمُر رسولِ الله عشرين سنة (٣)، وهذا يؤيِّدُ ما قال محمد بن إسحاق، والله أعلم.

قال موسى بن عقبة (٤): وإنما حمل قريشًا على بنائها أنَّ السُّيول كانت تأتي من فوقها، من فوق الرَّدْم الذي صنعوه، فأخرَّ به، فخافوا أن يدخلها الماء. وكان رجلٌ يُقال له: مليح، سرق طِيب الكعبة. فأرادوا أنْ يشيدوا بُنْيانها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلَها إلا مَنْ شاؤوا، فأعدُّوا لذلك نفقةً وعُمَّالًا، ثم غَدوْا إليها ليهدموها على شَفَقٍ وحذَر، أن يمنعَهُم [الله] الذي أرادوا. فكان أوَّل رجلٍ طلعها وهدم منها شيئًا الوليد بن المغيرة، فلما رأَوا الذي فعل الوليد تتابعوا فوضعوها، فأعجبهم ذلك. فلما أرادوا أنْ يأخذوا في بنيانها، أحضروا عُمَّالَهم فلم يقدرْ رجلٌ منهم أنْ يمضيَ أمامَهُ موضعَ قدم. فزعموا أنهم رأوا


(١) في المعرفة والتاريخ (٣/ ٢٥٢) وهو في القسم المفقود منه، اقتبسه المحقق من هنا.
(٢) "أجمرت الكعبة": يعني بخرتها بالطيب وفي ط: جمرت، وهو بمعناه، يقال: أجمرتُ الثوب وجمَّرْتُه: إذا بخرته بالطيب، اللسان (جمر).
(٣) في ح، ط: عشرون سنة.
(٤) قول موسى بن عقبة في عيون الأثر (١/ ٥١، ٥٢) وما يأتي بين معقوفين منه.