للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أورد البيهقيُّ (١) حديثَ ابنِ عباس المتقدِّم في قصة إبراهيم بطوله وتمامه، وهو في "صحيح" البخاري.

ثم روى البيهقي (٢) من حديث سِمَاك بن حَرْب، عن خالد بن عَرْعَرة قال: سأل رجلٌ عليًّا عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦] أهو أولُ بيتٍ بُني في الأرض (٣)؟ قال: لا، ولكنَّهُ أولُ بيتٍ وُضع فيه البركةُ للناس والهدى، ومقامُ إبراهيم ومَنْ دخله كان آمنًا، وإنْ شئتَ نبَّأتك كيف بناؤه؛ إنَّ الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض. فضاقَ به ذَرْعًا، فأرسل إليه السَّكِينةَ وهي ريحٌ خَجُوج (٤) لها رأس، فاتَّبع أحدُهما صاحبَه حتى انتهت (٥)، ثم تطوقتْ في موضع البيت تطوُّقَ الحيَّة، فبنى إبراهيم، حتى [إذا] بلغ مكان الحجر قال لابنه: ابغني حجرًا. فالتمس [ثَمَّ] حجرًا حتى أتاه به، فوجد الحجر الأسود قد رُكِّب، فقال لأبيه: من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لا يتكل على بنائك، جاء به جبريلُ من السماء. فأتمَّه (٦).

قال (٧): فمرَّ عليه الدهر فانهدم، فبنَتْهُ العمالقة، ثم انهدم فبنَتْهُ جُرْهُم، ثم انهدم فبنته قريش ورسولُ الله يومئذٍ رجلٌ شابّ. فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه، فقالوا: نُحَكِّمُ بيننا أولَ رجلٍ يخرج من هذه السكة، فكان رسولُ الله أولَ من خرج عليهم، فقضى بينهم أن يجعلوه في مِرْط (٨)، ثم ترفعُه جميعُ القبائل كلُّهم.

وقال أبو داود الطيالسي (٩): حدّثنا حماد بن سلمة وقيس وسلام (١٠)، كلُّهم عن سِمَاك بن حَرْب عن خالد بن عرعرة، عن علي بن أبي طالب، قال: لما انهدم البيت بعد جُرْهُم بنتْهُ قريش، فلما أرادوا وضعَ الحجر تشاجروا، مَنْ يضَعه؟ فاتفقوا أن يضعه أولُ مَنْ يدخل من هذا الباب، فدخل رسول الله


(١) دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٤٦ - ٥٢).
(٢) في الدلائل (٢/ ٥٥) وما يأتي بين معقوفين منه، وأخرج الخبر أيضًا الطبري في تفسيره (٣/ ٦٩، ٧٠).
(٣) سياق الخبر في ح على هذا النحو: " … سأل رجل عليًا عن قوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ﴾ فيه البركة ﴿لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ أهو أول بيت في الأرض؟ ". والمثبت من ط ودلائل البيهقي.
(٤) "الريح الخجوج": الشديدة المرّ، التي تلتوي في هبوبها، الخوَّارة. اللسان (خجج).
(٥) في تفسير الطبري: حتى انتهت إلى مكة.
(٦) وأخرجه الطبري في تفسيره (٣/ ٦٩ - ٧١) والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٩٢ - ٢٩٣) وأورده الأزرقي في تاريخ مكة (١/ ٢٤، ٢٥).
(٧) يعني البيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٥٦) بالسند نفسه.
(٨) "المِرْط": كل ثوب غير مخيط. اللسان (مرط).
(٩) في مسنده رقم (١١٣) وما يأتي بين معقوفين منه. وهو في منحة المعبود (٢/ ٨٦، ٢٣١٦).
(١٠) في مسند الطيالسي: وقيس وسماك كلهم عن سماك، والمثبت من ح، ط وتهذيب الكمال (١٢/ ١١٧، ٢٨٢) في ترجمتي سماك وسلام، ورواية سلام عن سماك ثابتة فيهما.