للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قام عليها وهو يقول: اللهمَّ لَمْ تُرَعُ (١) اللهم إنا لا نريدُ إلا الخير. ثم هَدَم من ناحية الرُّكْنين، فتربَّصَ الناسُ تلك الليلة، وقالوا: ننظر، فإنْ أُصيب لم نهدمْ منها شيئًا وردَدْناها كما كانت، وإنْ لم يُصِبْهُ شيء فقد رضي الله ما صنعنا من هدمها. فأصبح الوليدُ غاديًا على عمله، فهدَمَ وهدمَ الناسُ معه، حتى إذا انتهى الهَدْمُ بهم إلى الأساس، أساسِ إبراهيم ، أفْضَوْا إلى حجارةٍ خُضْر كالأسِنَّةِ آخِذٌ بعضُها بعضًا -ووقع في "صحيح" البخاري عن يزيد بن رُومَان: كأسْنِمَةِ الإبل (٢) - قال السُّهيلي: وأرى رواية السيرة -كالأسنة (٣) - وهمًا، والله أعلم.

قال ابن إسحاق (٤) فحدّثني بعضُ مَن يروي الحديث، أنَّ رجلًا من قريش ممن كان يهدِمُها، أدخل عتلةً (٥) بين حجرين منها ليقلع بها أحدَهما، فلما تحرَّك الحجر انتفضتْ (٦) مكة بأسْرِها. فانتهَوْا عن ذلك الأساس.

وقال موسى بن عقبة: وزعم عبد الله بن عباس، أن أولية قريش كانوا يحدثون أنَّ رجلًا من قريش، لما اجتمعوا لينزعوا الحجارة انتهَوْا (٧) إلى تأسيس إبراهيم وإسماعيل ، عمد رجلٌ منهم إلى حجَرٍ من الأساس الأول، فرفعه وهو لا يدري أنه من الأساس الأول، فأبصر القومُ بُرْقَةً تحت الحجر، كادت تلتمعُ بصرَ الرجل، ونزا الحجر من يده فوقع في موضعه وفزع الرجل والبناة. فلما ستر الحجر عنهم ما تحته إلى مكانه عادوا إلى بنيانهم وقالوا: لا تحرِّكوا هذا الحجر ولا شيئًا بحذائه.


(١) قال السهيلي في الروض: (١/ ٢٢٥): اللهم لم تُرَعْ: هي كلمة تقال عند تسكين الرُّوع، وإظهار اللين والبر في القول، ولا رَوْعَ في هذا الموطن فيُنفى، ولكن الكلمة تقتضي إظهار قصد البر، فلذلك تكلموا بها، وعلى هذا يجوز التكلم بها في الإسلام، وإن كان فيها ذكر الرَّوع الذي هو محال في حق الباري تعالى، ولكن لما كان المقصود ما ذكرنا جاز النطق بها. ويروى أيضًا "اللهم لم نزِغ" وهو جلي لا يشكل. أي لم نحل عن دينك. وهي رواية ابن هشام.
(٢) فتح الباري (١٥٨٦) الحج باب فضل مكة وبنيانها.
(٣) في ح، ط: كالألسنة، وهو تصحيف، والمثبت من الروض (١/ ٢٢٨) ولفظه: وليست هذه رواية السيرة، إنما الصحيح في الكتاب (كالأسنة) وهو وهم من بعض النقلة عن ابن إسحاق والله أعلم.
(٤) سيرة ابن إسحاق (ص ٨٥) وسيرة ابن هشام (١/ ١٩٥) واللفظ له.
(٥) "العتلة": العصا الضخمة من حديد لها رأس مفلطح كقبيعة السيف، تكون مع البناء يهدم بها الحيطان. وقبيعة السيف: ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد، وهي التي يُدخل القائم فيها. اللسان (عتل، قبع).
(٦) كذا في ح، ط، وفي سيرة ابن إسحاق وابن هشام: تنقضت، وفي السيرة الحلبية (١/ ١٤٢): تنفضت أي تحركت، وفي شرح المواهب (١/ ٢٤٦): تنغصت. قلت: أظن الصواب فيه إن شاء الله تنغضت، بالغين والضاد المعجمتين، أي: تحركت ورجفت، جاء في النهاية (٥/ ٨٧) (نغض): وفي حديث ابن الزبير: إن الكعبة لما احترقت نغضت، أي تحركت ووهت.
(٧) سقطت اللفظة من ط وهي في ح.