للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): وحُدِّثت أنَّ قريشًا وجدوا في الرُّكْن كتابًا بالسريانية، فلم يعرفوا ما هو، حتى قرأه لهم رجلٌ من يهود، فإذا هو: أنا الله ذو بَكَّة، خلقتُها يوم خلقتُ السماواتِ والأرض، وصورتُ الشمس والقمر، وحفَفْتُها بسبعة أملاكٍ حُنفاء، لا تزولُ حتى يزولَ أخشباها -قال ابنُ هشام: يعني جبلاها- مباركٌ لأهلها في الماء واللبن.

قال ابنُ إسحاق (٢): وحُدِّثت أنهم وجدوا في المقام كتابًا فيه: مكة [بيتُ] اللهِ الحرام، يأتيها رِزْقُها من ثلاثة سُبُل، لا يحلُّها أول من أهلها (٣).

قال (٤): وزعم ليثُ بن أبي سليم (٥) أنهم وجدوا [حجَرًا] في الكعبة قبل مبعثِ النبيِّ بأربعين سنة -إن كان ما ذُكر حقًا- مكتوبًا فيه: مَنْ يزرعْ خيرًا يحصدْ غِبْطة، ومَنْ يزرعْ شرًّا يحصُدْ ندامة، تعملون السيئات وتُجزَوْنَ الحسنات؟! أجَل، كما [لا] يُجْتَنى من الشُّوْك العِنَب (٦).

وقال سعيد بن يحيى الأموي: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن عبد الله بن بشر الرَّقيِّ، عن الزهري -يرفع الحديث إلى النبيِّ قال: "وجد في المقام ثلاثة أصفح، في الصَّفْح الأول: إني أنا الله ذو بَكَّة صنعتُها يوم صنعت (٧) الشمس والقمر، وحفَفْتُها بسبعةِ أملاك حُنفاء، وباركتُ لأهلها في اللحم واللبن. وفي الصَّفْح الثاني: إني أنا الله ذو بَكَّة، خلقت الرحم وشقَقْتُ لها من اسمي، فمَنْ وصلها وصلْتُه، ومن قطعها بَتَتُّه. وفي الصَّفْح الثالث: إني أنا الله ذو بكَّة، خلقتُ الخيرَ والشرَّ وقدَّرْتُه، فطوبى لمن أجرَيْتُ الخيرَ على يديه، وويلٌ لمن أجريتُ الشرَّ على يديه.

قال ابن إسحاق (٨): ثم إنَّ القبائل من قريش جمعتِ الحجارة لبنائها، كلُّ قبيلةٍ تجمع على حدة، ثم بنَوْها، حتى بلغ البناءُ موضعَ الرُّكْن، فاختصموا فيه، كلُّ قبيلة تريد أن ترفعَهُ إلى موضعه دون الأخرى؛


(١) سيرة ابن إسحاق (ص ٨٦) وسيرة ابن هشام (١/ ١٩٦) واللفظ له.
(٢) سيرة ابن إسحاق (ص ٨٦) وسيرة ابن هشام (١/ ١٩٦) وما يأتي بين معقوفين منه، واللفظ له.
(٣) قال السهيلي في الروض (١/ ٢٢٧): يريد -والله أعلم- ما كان من استحلال قريش القتال فيها أيام ابن الزبير، وحُصين بن نمير، ثم الحجاج بعده، ولذلك قال ابن أبي ربيعة:
ألا من لقلب مُعنى غَزِلْ … بحب المحلة أخت المُحِلْ
يعني بالمُحِلّ عبد الله بن الزبير لقتاله في الحرم.
(٤) القائل هو ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (١/ ١٩٦) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٥) وهو ضعيف.
(٦) وهو من أمثالهم: أي إذا ظلمت فاحذر الانتصار، فإن الظلم لا يُكْسبكَ إلا مثل فعلك. مجمع الأمثال للميداني (١/ ٨٦ ط محمد أبو الفضل إبراهيم مصر ١٩٧٧) والأمثال لأبي عبيد (ص ٢٧٠).
(٧) ساق الخبر السهيلي في الروض (١/ ٢٢٧) من طريق معمر بن راشد في الجامع عن الزهري أنه قال: بلغني أن قريشًا حين بنوا الكعبة وجدوا فيها … وذكر الحديث، ولفظه: صغتها يوم صغت …
(٨) سيرة ابن إسحاق (ص ٨٦ - ٨٨) وسيرة ابن هشام (١/ ١٩٦) واللفظ له.