للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى تحاوروا وتحالفوا، وأعدُّوا للقتال، فقرَّبتْ بنو عبد الدار جَفْنةً مملوءةً دمًا، ثم تعاقدوا هم وبنو عديِّ بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديَهُمْ في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسُمُّوا لعقة الدم. فمكثتْ قريش على ذلك أربعَ ليالٍ أو خمسًا، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد، فتشاوروا وتناصفوا.

فزعم بعضُ أهل الرواية، أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر (١) بن مخزوم -وكان عامئذٍ أسنَّ قريش كلِّها، قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أولَ مَنْ يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه. ففعلوا، فكان أولَ داخلٍ دخل رسولُ الله ، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رَضِينا، هذا محمد. فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال رسول الله : "هَلُمَّ (٢) إليَّ ثوبًا" فأُتي به، وأخذ الرُّكْن فوضعه فيه بيدهِ ثم قال: "لتأخذْ كلُّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثوب، ثم ارْفَعُوهُ جميعًا" ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعَه، وضعَهُ هو بيده . ثم بُني عليه. وكانت قريش تسمِّي رسول الله الأمين.

وقال الإمام أحمد (٣): حدّثنا عبد الصمد، حدّثنا ثابت -يعني أبا زيد (٤) - حدّثنا هلال -يعني ابن خبَّاب (٥) - عن مجاهد عن مولاه -وهو السائب بن عبد الله- أنه حدّثه أنه كان فيمن بنى الكعبة في الجاهلية قال: وكان لي حجر أنا نحتُّه، أعبدُه من دون الله، قال: وكنتُ أجيء باللبن الخاثر الذي أنْفَسُه (٦) على نفسي فأصبُّهُ عليه، فيجيءُ الكلبُ فيلحسه، ثم يَشْغَرُ (٧) فيبول، قال: فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر، ولا يرى الحَجَر أحد، فإذا هو وسط حِجَارنا (٨) مثل رأس الرجل، يكاد يتراءى منه وجهُ الرجل، فقال بطْنٌ من قريش: نحن نضعُهُ. وقال آخرون: نحن نضعه. فقالوا: اجعلوا بينكم حَكَمًا. فقالوا: أوَّلُ رجلٍ يَطْلعُ من الفَجّ. فجاء رسولُ الله فقالوا: أتاكم الأمين. فقالوا له: فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم، فرفعوا نواحيه، فوضعه هو .


(١) في ح، ط: عمرو، انظر ما مضى (ص ٩٨ حاشية ١).
(٢) في ط: هلموا، والمثبت من ح والسيرة. وهلمّ: بمعنى أقبل، تقال للواحد والاثنين والجماعة.
(٣) في مسنده (٣/ ٤٢٥).
(٤) في ح، ط: أبا يزيد، وهو تصحيف، والمثبت من المسند، وهو ثابت بن يزيد أبو زيد الأحول البصري. ترجمته في سير أعلام النبلاء (٧/ ٣٠٥) وتهذيب التهذيب (٢/ ١٨).
(٥) في ح، ط: حبان وهو تصحيف، والمثبت من المسند، ترجمته في تهذيب التهذيب (١١/ ٧٧) وقد ضبطه ابن حجر في التقريب (٢/ ٣٢٣) بقوله: بمعجمة وموحدتين.
(٦) في ح، ط: آنفه، والمثبت من المسند، يقال نفِسْتُ عليه الشيء أنفَسُه: إذا ضننْتَ به ولم تحب أن يصل إليه. اللسان (نفس).
(٧) شغر الكلب: رفع إحدى رجليه ليبول. اللسان (شغر).
(٨) في ط: أحجارنا، وفي المسند حجارتنا، وكل ذلك جمع حَجَر. اللسان (حجر). ط دار المأمون ١٤٠٠ هـ - دمشق.