للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنَتَفقَّه في الدِّيْن وَلنَسْألَكَ عَنْ أوَّلِ الأمْرِ. فَقَالَ: "كانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ -وفي رواية: معه، وفي رواية: غيره- وكَان عَرْشُهُ عَلَى الماءِ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وخَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ"، وفي لفظ: " ثمَّ خَلقَ السَّمواتِ والأرْضَ" (١). فسألوه عن ابتداء خلق السَّمواتِ والأرض، ولهذا قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، فأجابهم عمَّا سألوا فقط. ولهذا لم يخبرهم بخلق العرش كما أخبر به في حديث أبي رَزين المتقدم (٢).

قال ابن جرير (٣): وقال آخرون: بل خلقَ اللَّهُ ﷿ الماءَ قَبْلَ العَرْشِ. رواه السُّدّي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرَّة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي قالوا (٤): إنَّ اللَّه كان عرشُه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء.

وحكى ابن جرير (٥) عن محمد بن إسحاق أنَّه قال: "أول ما خلقَ اللَّه ﷿ النور والظلمة، ثمَّ ميَّز بينهما، فجعل الظلمة ليلًا أسودَ مظلمًا، وجعل النور نهارًا مضيئًا مبصرًا".

قال ابن جرير: وقد قيل: "إنَّ الذي خلقَ رَبُّنا بعدَ القلم الكرسيُّ، ثمَّ خلق بعد الكرسيّ العرش. ثمَّ بعد ذلك خلق الهواء والظلمة. ثمَّ خلق الماء [فوضع عرشه على الماء] " (٦).

[وروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة علي بن الحسن (٧) بن محمد بن أحمد بن جميع الغَسَّاني الصَّيْداوي (٨)، من طريق الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي، عن أبيه (٩)، عن جده أحمد بن جميع؛ حدَّثنا محمد بن المعافى الصدوق، حدَّثنا محمد بن خلف، حدَّثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن أبي أراكة قال: سأل رجلٌ عبدَ اللَّه بن عمرو: ممَّ خُلق الخلق؟ قال: من النور والظلمة والماء والثرى. وقال: إيت ابن عباس واسأله؛ فأتاه وسأله، فقال له مثل ذلك. فقال ارجع إليه فسلْه ممّ خلق ذلك كله؟ فرجع إليه، فسأله، فتلا قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا


= الجامع (٣٩٥١) في المناقب، والنسائي في التفسير (١١٢٤٠).
(١) قوله: وفي لفظ: ثمَّ خلق السماوات والأرض؛ ليس في ب.
(٢) تقدم ص (١٣).
(٣) تاريخ الطبري (١/ ٤٩).
(٤) في ب: قال.
(٥) تاريخ الطبري (١/ ٣٤).
(٦) زيادة من ب توافق المصدر السابق.
(٧) في ط: "الحُسين"، وهو تحريف، فالحسن هذا هو ابن محمد صاحب "المعجم" المشهور، والحسن يعرف بالسكن، وهو مترجم في تاريخ دمشق (١٣/ ٣٥٢) وسير أعلام النبلاء (١٧/ ١٥٦) وغيرهما.
(٨) تاريخ دمشق (٤١/ ٣٣٨).
(٩) يعني: الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع.