للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صنَّف الحافظ أبو القاسم بنُ عساكر الدمشقي جزءًا في الرد على هذا الحديث. سمَّاه: "بيانُ الوَهْمِ والتخليط الواقع في حديث الأطيط"، واستفرغ وسعه في الطعن على محمد بن إسحاق بن يسار راويه. وذكر كلام النَّاسِ فيه.

ولكنْ قد (١) رُوي هذا اللفظ من طريقٍ أخرى عن غير محمد بن إسحاق؛ فرواه عَبْد بن حُميد (٢)، وابن جرير (٣) في "تَفْسيريْهما"، وابن أبي عاصم والطبراني في كتابي "السُّنَّة" لهما، والبَزَّار في "مُسنده"، والحافظ الضياء المقدسي في "مختاراته" من طريق أبي إسحاق السَّبيعي (٤) عن عبد اللَّه بن خَليفة عن عمر بن الخطاب قال: أتَتِ امْرأةٌ إلى رسولِ اللَّه فقالت: ادْعُ اللَّهَ أنْ يُدْخلني الجنَّةَ قال: فَعَظَّمَ الرَّبَّ ، وقال: "إنَّ كُرْسيَّهُ وَسِعَ السَّماواتِ والأرْضَ، وَإنَّ لَهُ أطيطًا كَأطِيْط الرحل الجديد منْ ثقلِهِ".

عبد اللَّه بن خليفة ليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر. ثمَّ منهم من يرويه موقوفًا ومُرْسلًا، ومنهم من يزيد فيه زيادةً غريبةً. فاللَّه أعلم.

وثبت في "صحيحِ البخاري" (٥) عن رسول اللَّه أنَّهُ قال: "إذا سَألْتُم اللَّهَ الجَنَّةَ فَسَلُوْهُ الفِرْدَوسَ فَإنَّهُ أعْلى الجنَّةِ (٦)، وَفوقهُ عَرْشُ الرَّحْمنِ". يُروى: "وفوقَه" بالفتح على الظرفية، وبالضم (٧)، قال شيخُنا الحافظُ المِزِّي (٨): وهو أحسن، أي: وأعلاهما عَرْشُ الرحمنِ.

وقد جاء في بعض الآثار: أنَّ أهْلَ الفِرْدَوْسِ يسمعون أطيطَ العَرْشِ، وهو تَسْبِيْحُهُ وتعظيمه، وما ذاك إلا لقربهم منه.


(١) في ب: ولكن روي.
(٢) هو أبو محمد عبد الحميد بن حُميد بن نصر الكِسِّي، إمام جليل القدر، يُعرف بعبد بن حميد له "تفسير" و"مسند". توفي سنة (٢٤٩) هـ. أنساب السمعاني (١٠/ ٤٢٩).
(٣) تفسير الطبري (٣/ ٨) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ من آية الكرسي في سورة البقرة.
(٤) كذا في ب وفي أ: السنبقي؛ وهو خطأ. وأبو إسحاق السبيعي هو: عمرو بن عبد اللَّه بن علي، توفي سنة (١٢٧).
(٥) الحديث كاملًا في صحيحه (٢٧٩٠) في الجهاد. و (٧٤٢٣) في التوحيد، من حديث أبي هريرة . ورواه الترمذي في الجامع (٢٥٣٠) في صفة الجنة، من حديث معاذ بن جبل .
(٦) قوله: وأوسط الجنة؛ سقط من ب.
(٧) على الابتداء أو الإخبار.
(٨) الحافظ المزي، هو أبو الحجاج، يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف القضاعي المتوفى سنة (٧٤٢) هـ. إمام محدّث حافظ، له مجموعة من الكتب على رأسها "تهذيب الكمال في أسماء الرجال". نُشر بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف في مؤسسة الرسالة.