للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي "الصحيح" (١) أن رسول اللَّه قال: "لَقَدِ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحمنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعاذ".

وذكر الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شَيْبة (٢) في كتاب "صِفَة العرش" عن بَعض السلف أنَّ العَرْشَ مخلوقٌ من ياقوتةٍ حَمْراء بُعْدُ ما بَيْنَ قُطْريه مسيرةُ خَمسين ألف سنةٍ (٣).

وذكرنا (٤) عند قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤] أنه بُعْد ما بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرةُ خمسين ألف سنةٍ، واتساعُه (٥) خمسون ألف سنة (٦).

وقد ذهب طائفة من أهل الكلام إلى أنَّ العرش فلكٌ مستدير من جميع جوانبه، محيطٌ بالعالم من كل جهة، ربما سَمَّوهُ: الفلك التاسع والفلك الأطلس والأثير. وهذا ليس بجيدٍ؛ لأنَّه قد ثبت في الشرع أنَّ له قوائمَ تحمله الملائكة، والفلك لا يكون له قوائم ولا يُحمل، وأيضًا فإنَّهُ فوق الجنَّة، والجنةُ فوق السماوات، وفيها مئةُ درجة، ما بين درجتين كما بين السماء والأرض، فالبعد الذي بينه وبين الكرسي ليس هو نسبة فلك إلى فلك. وأيضًا فإنَّ العرش، في اللغة: عبارة عن السرير الَّذي لِلْمَلِكِ، كما قال تعالى: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣]. وليس هو فلكًا، ولا تَفهم منه العرب ذلك. والقرآن إنَّما نَزل بلغة العرب، فهو سريرٌ ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقُبَّة على العالم، وهو سقفُ المخلوقات (٧).


(١) البخاري (٣٨٠٣)، في مناقب الأنصار. وأخرجه مسلم في صحيحه (٢٤٦٦) في فضائل الصحابة، وابن ماجه في سننه (١٥٨) في المقدمة، والترمذي في الجامع (٣٨٤٨) في المناقب، وأحمد في المسند (٣/ ٢٩٦) كلهم من حديث جابر بن عبد اللَّه .
(٢) سيترجم له المؤلف في وفيات سنة (٢٩٧ هـ).
(٣) أورد المؤلف هذا النقل عن ابن أبي شيبة في تفسير قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ. . .﴾ (٤/ ٤٩٤).
(٤) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٩٢) وما بعدها. وقد أورد أربعة أقوال لتفسير مقدار اليوم.
(٥) كذا في المطبوع. وفي أ، ب: الساعة. وعبارته في التفسير:. . . . وكذلك اتساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة.
(٦) جاء في ب: زيادة مدرجة ليست في باقي الأصول: قال سهل بن أبي خلف: هو من ياقوتة حمراء. وقال وهب بن منبّه: هو مسيرة خمسين ألف سنة. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إليهما. وقال أيضًا: حدَّثنا قعنب بن محمد التيمي، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدثنا داود بن عبد الرحمن المكّي، عن محمد بن زاذان، أنه أخبره عن أم سعد - امرأة من المهاجرات قالت: قال رسول اللَّه : "العرش على ملك في صورة ديك رجلاه في تخوم السفلى، وعنقه مثبتة تحت العرش، وجناحاه في المشرق والمغرب. فإذا سبّح ذلك الملك لم يبق شيء إلا سبح".
(٧) أُدرجَ في ب. قوله: قال ابن أبي شيبة في صفة العرش: حدّثنا إبراهيم بن أبي معاوية وهنَّاد بن السري قالا: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي نضرة، عن أبي ذر قال رسول اللَّه : "ما بين الأرض إلى السماء خمسمئة سنة، وغلظ كل سماء خمسمئة سنة، وما بين كل سماء إلى التي تليها خمسمئة سنة، والأرضون مثل ذلك. وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك كله".