للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فأسلمتُ وبايعتُه. وأخبرناه بما سمعنا فقال: "ذاك من كلامِ الجِنّ". ثم قال: "يا معشر العرب إنِّي رسولُ اللّهِ إليكم وإلى الأنام كافة، أدعوهم إلى عبادةِ اللّهِ وحده، وأني رسولُه وعبدُه، وأنْ يحجُّوا البيت، ويصوموا شهرًا من اثني عشرَ شهرًا، وهو شهرُ رمضان، فمَنْ أجابني فله الجنة نُزُلا، ومن عصاني كانت النار له مُنْقلبا". قال: فأسلَمْنا وعقد لنا لواءً. وكتب لنا كتابًا نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمدٍ رسولِ اللّهِ لزَمْلِ بن عمرو ومَنْ أسلم معه خاصّة، إني بعثته إلى قومه عامد (١)، فمن أسلم ففي حِزْب اللَّه ورسوله. ومن أبى فله أمانٌ شهرين. شهد على بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة الأنصاري" ثمّ قال ابنُ عساكر: غريبٌ جدًا. وقال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه: حدّثني محمد بن سعيد - يعني عمَّه - قال محمد بن المنكدر: إنه ذُكر لي عن ابن عباس قال: هتف هاتفٌ من الجِنّ على أبي قُبيس فقال: [من الخفيف]

قبَّحَ اللهُ رأيَكُمْ آلَ فِهْرٍ … ما أدقَّ العقول والأفهام (٢)

حِينَ تُغْضي لِمَنْ يعيبُ عَلَيها … دينَ آبائِها الحماةِ الكرامِ

حالفَ الجنُّ جِنُّ بُصرى عليكم … ورجالُ النّخيلِ والآطامِ

توشِكُ الخيلُ أن تَرَوْها نهارًا … تقتلُ القومَ في حرام تَهَام (٣)

هَلْ كريمٌ مِنْكُم لَهُ نفسُ حِرٍّ … مَاجِدِ الوالدَيْن والأعمام (٤)

ضَارِبٌ ضربَةً تكونُ نكالًا … ورواحًا من كُربةٍ واغتمامِ

قال ابنُ عباس: فأصبح هذا الشعر حديثًا لأهل مكة يتناشدونه بينهم. فقال رسول اللَّه : "هذا شيطانٌ يكلِّمُ الناسَ في الأوثان يقالُ له: مِسْعَر، واللّهُ مُخْزِيه" فمكثوا ثلاثةَ أيَّام، فإذا هاتفٌ يهتفُ على الجبل يقول: [من الرجز]

نحنُ قتلْنا في ثلاثٍ مِسْعرا

إذْ سفَّهَ الجنَّ وسنَّ المُنْكرا

قنَّعتُه سيفًا حُسامًا مُشْهَرا

بشتمِهِ نبيَّنا المُطَهَّرا

فقال رسولُ الله : "هذا عِفْريتٌ من الجِنّ، اسمه سمج، آمَنَ بي سمَّيتهُ عبد اللَّه، أخبرني أنه


(١) كذا في ح، ط وفي مختصر ابن منظور: عامة، وهو أشبه بالصواب.
(٢) كذا في ح، ط: ولعل الصواب: يا أدقَّ … جاء في الأساس (دقق): ويقال للذين يمنعون الخير ويشحون: لقد أدقت بكم أخلاقكم، من أدق الرجل إذا اتبع الدقيق من الأمور.
(٣) في ح: مصل … بهام، وما أثبته أشبه بالصواب فـ بهام لا معنى لها في البيت، وتهام نسبة إلى تهامة، اسم مكة، على غير قياس، اللسان (تهم). ورواية ط: أن تردها تهادى.
(٤) كذا في ح، ط، ورواية الشطر الثاني في ح: ماجد الجدَّين.