للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في اليقظة صبيحةَ ليلتئذ، ويحتمل أنه كان بعده بمدَّة. واللّه أعلم (١).

وقال موسى بن عُقْبَة (٢)، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيِّب قال: وكان فيما بلغنا أولُ ما رأى يعني رسولَ الله -أن اللّهَ تعالى أراه رؤيا في المنام، فشق ذلك عليه، فذكرها لامرأته خديجةَ فعصمها الله عن التكذيب، وشرح صدرَها للتصديق، فقالت: أبشرْ فإنَّ اللَّه لم يصنعْ بك إلا خيرًا، ثم إنه خرج من عندها ثم رجع إليها، فأخبرها أنه رأى بطنَهُ شُقَّ، ثم غُسل وطُهِّر، ثم أعيد كما كان. قالت: هذا واللّه خيرٌ فأبشرْ، ثم استعلَنَ له جبريل وهو بأعلى مكة، فأجلسه على مجلسٍ كريم مُعْجب، كان النبيُّ يقول: "أجلسني على بساط كهيئةِ الدُّرْنوك (٣)، فيه الياقوت واللُّؤْلُؤ". فبشَّرَهُ برسالةِ اللّهِ ﷿، حتَّى اطمأنَّ رسولُ الله فقال له جبريل: اقرأ. فقال: كيف أقرأ؟ فقال: قال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:١ - ٥].

قال: ويزعم ناسٌ أنَّ ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ أولُ سورةٍ نزلَتْ عليه، واللّه أعلم.

قال (٤): فقبل رسولُ اللَّه رسالةَ ربِّه واتَّبع ما جاءه به جبريل من عند اللَّه، فلما انصرف مُنقلبًا إلى بيته، جعل لا يمرُّ على شجرٍ ولا حجرٍ إلا سلَّم عليه، فرجع إلى أهله مسرورًا موقنًا، قد رأى أمرًا عظيمًا، فلما دخل على خديجة قال: أرأيتكِ التي كنتُ أُحدِّثُكِ أني رأيتُه في المنام؟ فإنَّهُ جبريلُ استعلَنَ إليّ، أرسله إليَّ ربِّي ﷿". وأخبرها بالذي جاءَهُ من اللَّه وما سمع منه، فقالت: أبشرْ، فواللهِ لا يفعلُ اللَّه بك إلا خيرًا، واقْبَلِ الذي جاءك من أمرِ الله، فإنه حقّ، وأبشرْ، فإنَّكَ رسولُ اللَّه حقًّا.

ثم انطلقت من مكانها فأتت غلامًا لعُتْبَةَ بنِ ربيعةَ بنِ عبد شمس نصرانيًا من أهل نِينوى (٥)، يقال له عَدَّاس، فقالت له: يا عدَّاس، أُذَكِّرك باللّه إلا ما أخبرتني هل عندك علمٌ من جبريل، فقال: قدُّوسٌ قدُّوس، ما شأنُ جبريلَ يُذكَرُ بهذه الأرض التي أهلُها أهلُ الأوثان! فقالت: أخبرْني بعلْمك فيه: قال: فإنَّهُ أمينُ اللَّه بينه وبين النبيِّيْن، وهو صاحبُ موسى وعيسى .

فرجعتْ خديجة من عنده، فجاءت ورقةَ بنَ نوفل، فذكرت له ما كان من أمر النبي وما ألقاه إليه


(١) انظر ما تقدم ص (١٨٩).
(٢) أورده البيهقي في دلائل النبوة (١/ ١٤٢) عن موسى بن عقبة، وبه أيضًا ذكره السيوطى فى الخصائص (١/ ٩٣) وذكر تخريج أبي نعيم به أيضًا ولم أجده فيه.
(٣) "الدرنوك": سِتْرٌ له خَمْل. النهاية (درنك).
(٤) يعني سعيد بن المسيب.
(٥) "نينوى": هي قرية يونس بن متى بالموصل. معجم البلدان (٥/ ٣٣٩) وجاء في التاج (عدس) عن الروض للسهيلي: أن عداسًا حين سمع رسولَ اللَّه يذكر يونس بن متى قال: واللّه لقد خرجت منها - يعني نينوى وما فيها عشرة يعرفون ما متَّى، فمن أين عرفت متَّى وأنت أمِّي وفي أُمَّة أميّة؟ فقال : هو أخي، كان نبيًا وأنا نبي.