للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأستارها. قالا: "ما قال لكما؟ " قالتا: قال لنا كلمةً تملأُ الفم. قال: وجاء رسول الله هو وصاحبه حتى استلمَ الحجَر، وطاف بالبيت، ثم صلَّى. قال فأتيتُه فكنتُ أوَّلَ من حيَّاهُ بتحيَّةِ أهلِ الإسلام. فقال: "عليك السلامُ ورحمةُ الله من أنت؟ " قال: قلت من غفار، قال: فأهوى بيده فوضعها على جبهته. قال: فقلت في نفسي. كرهَ أنِ انتميتُ إلى غفار. قال: فاردتُ أن آخذَ بيده فقدَعَني (١) صاحبهُ، وكان أعلم به مني، قال: متى كنتَ ها هنا؟ قال: قلت: كنتُ ها هنا منذُ ثلاثين، من بين ليلةٍ ويوم. قال: فمَنْ كان يُطعمك؟ قلت: ما كان لي طعامٌ إلا ماءُ زمزم، فسمنتُ حتى تكسرتْ عُكَنُ بطني، وما وجدتُ على كبدي سَخْفَةَ جُوع. قال: قال رسول الله : "إنها مباركة، إنها طعامُ طُعْمٍ (٢) ". قال: فقال أبو بكر: ائذَنْ لي يا رسول اللهِ في طعامِهِ اللَّيلة. قال: ففعل، قال: فانطلق النبيُّ [وانطلق أبو بكر] وانطلقتُ معهما حتى فتح أبو بكرٍ بابًا، فجعل يقبضُ لنا من زبيب الطائف، قال: فكان ذلك أولَ طعامٍ أكلتُه بها، فلبثتُ ما لبثت. فقال رسولُ الله : "إني قد وُجِّهتُ إلى أرضٍ ذاتِ نَخْل ولا أحْسَبُها إلا يثرب، فهل أنت مبلِّغٌ عني قومكَ لعلَّ اللهَ ينفعُهم بك ويأجُرُكَ فيهم؟ ". قال: فانطلقتُ حتى أتيتُ أخي أُنيسًا. قال: فقال لي: ما صنعت؟ قال: قلتُ: صنعتُ أني أسلمتُ وصدَّقت. قال: فما بي رغبةٌ عن دينك، فإني قد أسلمتُ وصدَّقت. ثم أتينا أُمَّنا فقالت: ما بي رغبةٌ عن دينكما، فإني قد أسلمتُ وصدَّقت، فتحمَّلنا حتى أتينا قومنا غفارًا. قال: فأسلم بعضُهم قبلَ أنْ يقدَمَ رسولُ الله المدينة، وكان يؤمُّهُمْ خُفَافُ بن إيماءَ بنِ رَحَضَة (٣) الغفاريّ، وكان سيِّدَهم يومئذ، وقال بقيَّتُهم: إذا قدِم رسولُ الله أسلمْنا. قال: فقدِمَ رسولُ الله فأسلم بقيَّتُهم. قال: وجاءتْ أسْلَمُ فقالوا: يا رسول الله، إخوانُنا نسلم على الذي أسلموا عليه. [فأسلموا]، فقال رسولُ الله "غِفَارُ غفَرَ اللهُ لها، وأسْلَمُ سالَمَها الله".

ورواه مسلم عن هُدْبَة (٤) بن خالد، عن سليمان بن المغيرة به نحوه.

وقد روى قصة إسلامه على وجهٍ آخر وفيه زيادات غريبة. فالله أعلم. وتقدَّم ذِكْرُ إسلام سلمان الفارسي في كتاب البِشَاراتِ بمبعثه (٥).


(١) في ط: فقذفني. والمثبت من ح ومسند أحمد وصحيح مسلم والنهاية (قدع/ ٤/ ٢٤) وفيه: أي كفَّني.
(٢) قال النووي: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام. شرح صحيح مسلم (١٦/ ٣٠).
(٣) وقع في ح، ط: رخصة. وكذا في الإصابة في ترجمة خفاف، والمثبت من مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وشرحة للنووي (١٦/ ٣١) وقال في ضبطه: إيماء ممدود والهمزة في أوله مكسورة على المشهور وحكى القاضي فتحها أيضًا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح؛ ورحضة براءٍ وحاءٍ مهملة وضاد معجمة مفتوحات. وكذا ضبطه صاحب التاج (رحض).
(٤) هو هدَّاب كما في صحيح مسلم (٢٤٧٣) فضائل الصحابة باب من فضائل أبي ذر. ويقال له: هُدْبَة كما في تقريب التهذيب (٢/ ٣١٥).
(٥) وردت قصة إسلام سلمان في (ص ١١٥) وما بعدها من هذا الجزء.