للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم انصرفوا، فلما كانتِ الليلةُ الثالثة أخذ كلُّ رجل منهم مجلسَه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرَّقوا فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرحُ حتى نتعاهد أن لا نعود. فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا. فلما أصبح الأخنس بن شُرَيق أخَذَ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيانَ في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعتَ من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعتُ أشياءَ أعرفُها وأعرفُ ما يُرادُ بها. فقال الأخنس: وأنا والذي حلفتَ به. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، مارأيُكَ فيما سمعتَ من محمد؟ فقال: ماذا سمعت! تنازَعْنا نحن وبنو عبد مَنَافٍ الشَّرَف، أطعموا فأطعَمْنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطَوْا فأعطَيْنا، حتى إذا تجاثَيْنا على الرُّكب، وكنَّا كفَرَسَيْ رِهان قالوا: منا نبيٌّ يأتيهِ الوَحْيُ من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع (١) به أبدًا ولا نصدِّقُه. فقام عنه الأخنس بن شُريق.

ثم قال البيهقي (٢): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس، حدثنا أحمد، حدثنا يونس، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: إنَّ أوَّلَ يومٍ عرفتُ رسولَ الله أنِّي [كنتُ] أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزِقَّة مكة، إذْ لَقِينا رسول الله ، فقال رسولُ الله لأبي جهل: "يا أبا الحكم، هَلُمَّ إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله". فقال أبو جهل: يا محمد، هل أنتَ مُنْتهٍ عن سَبِّ آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهدَ أنك قد بلَّغْت؟ فنحن نشهد أنْ قد بلغت، فوالله لو أني أعلمُ أنَّ ما تقول حقٌّ لاتَّبعتُك. فانصرف رسول الله وأقبلَ عليَّ فقال: والله إني لأعلم أن ما يقولُ حق، ولكنَّ بني قُصَيٍّ (٣) قالوا: فينا الحِجَابة. فقلنا: نعم؛ ثم قالوا: فينا السقاية، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا اللِّواء. فقلنا: نعم. ثم أطعموا وأطعمْنا. حتى إذا تحاكَّت الرُّكب قالوا: منَّا نبيّ. واللّهِ لا أفعل.

وقال البيهقي (٤): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر، قالا (٥): أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمد بن خالد، حدّثنا أحمد بن خالد (٦)، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: مرَّ النبيُّ على أبي جهل وأبي سفيان، وهما جالسان، فقال أبو جهل: هذا نبيُّكم يا بني عبد شمس.


(١) في الدلائل: لا نؤمن. وهو أشبه بالصواب.
(٢) في دلائل النبوة (٢/ ٢٠٧) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٣) في ح: ولكن شيء أن بني قصى. وزادت ط بين معقوفين [يمنعني] بعد: ولكن. وما أثبتُّه من الدلائل.
(٤) في دلائل النبوة (٢/ ٢٨٤) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٥) قوله: وأبو بكر سقط من ط وهو في ح والدلائل وزاد الدلائل "القاضي".
(٦) في ح، ط: أحمد بن خلف وهو تحريف، والمثبت من دلائل البيهقي وترجمة كل من محمد بن خالد بن خَلِيٍّ الكَلاعي وأحمد بن خالد بن موسى الوهبي في تهذيب الكمال (١/ ٢٩٩) المطبوع أو (٣/ ١١٩٣) (مصورة المخطوطة).