للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (*) حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: ١ - ٣] فمضى رسولُ الله يقرؤها، فلما سمع بها عتبةُ أنصتَ لها وألْقَى بيديه خلْفَه -أو خلْفَ ظهره- معتمدًا عليهما يسمع منه، حتى انتهى رسولُ الله إلى السجدة فسجد فيها ثم قال: "سمعتَ يا أبا الوليد؟ " قال: سمعتُ. قال: "فأنتَ وذاك" فقام عتبةُ إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغيرِ الوَجْه الذي ذهب به. فلما جلسوا إليه قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أنِّي والله قد سمعتُ قولًا ما سمعتُ مثله قط، والله ما هو بالشعر [ولا السِّحْر] ولا الكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعتُ نبأٌ، فإن تُصِبْهُ العرب فقد كُفيتموهُ بغيركم، وإنْ يظهرْ على العرب فملْكُه ملْكُكم، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعدَ الناسِ به. قالوا: سحَرَكَ والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.

ثم ذكر يونس عن ابن إسحاق شعرًا قاله أبو طالب يمدح فيه عتبة.

وقال البيهقي (١): أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أخبرنا أبو قتيبة سلمة بن الفضل الأدَمي بمكة، حدثنا أبو أيوب أحمد بن بِشْر الطَّيَالسي، حدثنا داود بن عمرو الضَّبِّي، حدثنا المثنى بن زُرْعَة عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما قرأ رسولُ الله على عتبة بن ربيعة ﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ أتى أصحابه فقال لهم: يا قوم، أطيعوني في هذا الأمر اليوم، واعْصُوني فيما بعده، فوالله لقد سمعتُ من هذا الرجل كلامًا ما سمعتْ أُذناي كلامًا مثله، وما درَيْتُ ما أردُّ عليه.

وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من هذا الوجه.

ثم روى البيهقي (٢) عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس (٣)، عن ابن إسحاق: حدثني الزُّهْري قال: حُدِّثتُ أنَّ أبا جهلٍ وأبا سفيان والأخنس بن شُريق خرجوا ليلةً ليسمعوا من رسولِ الله ، وهو يصلِّي بالليل في بيته، فأخذ كلُّ رجلٍ منهم مجلسًا ليستمع منه، وكلٌّ لا يعلمُ بمكانِ صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطَلَع الفجر تفرَّقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعضُ سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا.

ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلةُ الثانية عاد كلُّ رجلٍ منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طَلَع الفجرُ تفرَّقوا، فجمعهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرَّة.


(١) في دلائل النبوة (٢/ ٢٠٥).
(٢) في دلائل النبوة (٢/ ٢٠٦).
(٣) هو يونس بن بكير، وهو أحد رواة سيرة ابن إسحاق.