للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عبدُ الله بن مسعود - فيما بلغني - يقول: أُتي رسولُ الله بالبُرَاق - وهي الدابّهُ التي كانتْ تُحمل عليها الأنبياء قبلَه، تضَعُ حافرَها في موضع منتهى طَرْفِها - فحُمل عليها، ثمَّ خرج به صاحبُه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نَفَرٍ من الأنبياء قد جُمعوا له، فصلَّى بهم ثم أتي بثلاثةِ آنيةٍ من لبنٍ وخمرٍ وماءً.

فذكر أنه شرِب إناءَ اللبن، فقال لي جبريل: هُديتَ وهدِيَتْ أُمتك.

وذكر ابنُ إسحاق في سياق الحسن البصري مرسلًا (١) أنَّ جبريل أيقظه ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام فأركبَهُ البُرَاق وهو دابةٌ أبيض، بين البَغْلِ والحمار، وفي فخذيه جناحان يَحْفِزُ بهما رجلَيْه، يضع حافره في منتهى طَرْفه. ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتُني ولا أفوته.

قلت: وفي الحديث وهو عن قتادة، فيما ذكره ابنُ إسحاق (٢) أنَّ رسولَ الله لما أراد ركوب البُرَاق شَمَسَ به (٣)، فوضع جبريلُ يدَهُ على مَعْرَفَتِه ثم قال: ألا تستحي يا بُراق مما تصنع، فوالله ما ركبكَ عبدٌ لله قبلَ محمدٍ أكرمُ عليه منه. قال: "فاستحى حتى ارفضَّ عرَقًا ثم قرَّ (٤) حتى ركبتُه".

قال الحسن في حديثه: فمضَى رسولُ الله ومضى معه جبريلُ حتى انتهى به إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نَفَرٍ من الأنبياء، فأمَّهم رسولُ الله فصلَّى بهم، ثم ذكر اختيارَهُ إناءَ اللبن على إناء الخمر وقول جبريل له: هُديت وهديَتْ أُمَّتُك، وحُرِّمَتْ عليكم الخمر.

قال: ثم انصرفَ رسولُ الله إلى مكة فأصبح يُخبر قريشًا بذلك، فذكر أنه كذَّبه أكثرُ الناس، وارتدَّتْ طائفةٌ بعد إسلامها، وبادر الصدِّيقُ إلى التصديق وقال: إني لأصدِّقُه في خبر السماء بُكْرَةً وعشيَّة، أفلا أصدِّقه في بيت المقدس؟ وذكر أنَّ الصدِّيقَ سأله عن صفة بيتِ المقدس، فذكرها له رسولُ الله قال: فيومئذٍ سُمّي أبو بكر الصدِّيق.

قال الحسن: وأنزل الله في ذلك ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] الآية.

وذكر ابنُ إسحاق (٥) فيما بلغَهُ عن أُم هانئ أنها قالت: ما أُسريَ برسولِ الله إلا من بيتي، نام عندي ثلك الليلة بعدما صلَّى العشاءَ الآخرة، فلما كان قُبيل الفَجْر أهَبَّنا (٦)، فلما كان الصُّبْح وصلَّينا معه، قال: "يا أُمَّ هانئ لقد صلَّيتُ معكم العشاء الآخرة في هذا الوادي، ثم جئتُ بيتَ المقدس


(١) سيرة ابن هشام (١/ ٣٩٧) والروض (٢/ ١٤٢).
(٢) سيرة ابن هشام (١/ ٣٩٨) والروض (٢/ ١٤٢).
(٣) "شمست الدابة والفرس": شردت وجمحَتْ ومنعَتْ ظهرها فلا تستقر لحدتها وشغبها. اللسان (شمس).
(٤) في ح: تقدم. وفوقها قرَّ.
(٥) سيرة ابن هشام (١/ ٤٠٢) والروض (٢/ ١٤٤).
(٦) في ح: أنبهنا، أي أيقظنا، وهما بمعنى.