للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُمير به. وزاد بعد قوله: حمراء الشدقَيْن؛ هلكتْ في الدهر الأول. قال: فتمعَّرَ وجهُه تمعُّرًا ما كنتُ أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخِيلة، حتى ينظر، أرحمةٌ أو عذاب.

تفرَّد به أحمد. وهذا إسنادٌ جيِّد.

وقال الإمام أحمد (١) أيضًا عن [علي] بن إسحاق أخبرنا عبد الله [قال]: أخبرنا مجالد عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان النبيُّ إذا ذكرَ خديجةَ أثْنَى عليها بأحسن (٢) الثناء. قالت: فغِرْتُ يومًا فقلت: ما أكثرَ ما تذكرُها حمراء الشدقين (٣) قد أبدلك الله خيرًا منها. قال: "ما أبدلني اللهُ خيرًا منها، قد آمنتْ بي إذْ كفَرَ بي الناس، وصدَّقَتْني إذْ كذَّبني الناس، وواستني (٤) بمالها إذْ حرَمني الناس، ورزقني الله ولدها إذْ حرمني أولادَ النساء".

تفرَّد به أحمد أيضًا، وإسنادهُ لا بأس به، ومجالد روى له مسلم متابعةً، وفيه كلامٌ مشهور، والله أعلم. ولعل هذا أعني قوله: "ورزقني الله ولدَها إذْ حرمني أولاد النساء" كان قبل أن يُولد إبراهيم بنُ النبيِّ من مَاريَة، وقبل مَقْدَمها بالكلِّيَّة، وهذا متعيِّن، فإنَّ جميع أولادِ النبيِّ كما تقدَّم وكما سيأتي من خديجة إلا إبراهيم فإنَّهُ من ماريَةَ القبطيَّة المصرية .

وقد استدلَّ بهذا الحديث جماعةٌ من أهل العلم على تفضيل خديجةَ على عائشة وأرضاها. وتكلَّم آخرون في إسناده، وتأوَّله آخرون على أنها كانتْ خيرًا عشرةً، وهو محتملٌ أو ظاهر. وسببه أنَّ عائشة تمَّت بشبابها وحسنها وجميل عشرتها، وليس مرادها بقولها: قد أبدلك الله خيرًا منها أنها تزكِّي نفسها وتفضِّلها على خديجة، فإنَّ هذا أمرٌ مَرْجِعه إلى الله عر وجلَّ كما قال: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: ٣٢] وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٩] الآية.

وهذه مسألةٌ وقع النزاعُ فيها بين العلماء قديمًا وحديثًا وبجانبها طرقٌ يقتصر عليها أهل التشيُّع وغيرهم، لا يعدِلون بخديجةَ أحدًا من النساء، لسلام الربِّ عليها، وكونِ ولدِ النبيِّ جميعهم - إلا إبراهيم - منها. وكونِه لم يتزوَّج عليها حتى ماتتْ إكرامًا لها، وتقدُّم (٥) إسلامها، وكونها من الصدِّيقات، ولها مقامُ صدْقٍ في أول البِعْثَة. وبذلَتْ نفسَها ومالَها لرسولِ الله .

وأمَّا أهلُ السُّنَة، فمنهم من يَغْلُو أيضًا ويُثبتُ لكلِّ واحدة منهما من الفضائل ما هو معروف، ولكنْ


(١) في المسند (٦/ ١١٧، ١١٨) وما بين معقوفين منه.
(٢) في المسند: فأحسن.
(٣) في المسند: الشدق.
(٤) في ط: وآستني. وكلاهما بمعنى، والمثبت من ح والمسند.
(٥) في ط: وتقدير. والمثبت من ح.