للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك. فأبَوْا عليه. فلما صدرَ الناسُ رجعتْ بنو عامر إلى شيخٍ لهم، قد كان أدركه السنّ، حتى لا يقدِرُ أنْ يوافي معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدَّثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عمَّا كان في مَوْسِمهم فقالوا: جاءنا فتًى من قريش، ثم أحد بني عبد المطلب يزعمُ أنه نبيّ يدعونا إلى أنْ نمنعه ونقومَ معه، ونخرج به إلى بلادنا. قال: فوضع الشيخ يده على رأسِه ثم قال: يا بني عامر، هل لها من تَلافٍ؟ هل لذُنَابَاها من مَطْلب (١)؟ والذي نفسُ فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قطّ (٢)، وإنها لحق، فأين رأْيُكم كان عنكم؟!

وقال موسى بن عقبة عن الزهري: فكان رسولُ الله في تلك السنين يعرضُ نفسه على قبائل العرب في كلِّ موسم، ويكلِّم كلَّ شريفِ قوم، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يُؤْووه ويمنعوه ويقول: "لا أُكْرِهُ أحدًا منكم على شيء، مَنْ رَضِي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أُكْرِهْه، إنما أُريدُ أن تُحرزوني مما يُرادُ بي من القتل حتى أُبَلِّغ رسالة رَبِّي، وحتى يقضيَ الله لي ولمن صحبني بما شاء". فلم يقبله (٣) أحدٌ منهم، وما يأتي أحدًا من تلك القبائل إلا قال: قومُ الرجلِ أعلم به، أترَوْنَ أنَّ رجلًا يُصلحنا وقد أفسد قومَهُ ولفظوه؟! وكان ذلك مما ذَخَرَهُ اللهُ للأنصار وأكرمَهُمْ به (٤).

وقد روى الحافظ أبو نعيم (٥) من طريق عبد الله بن الأجلح ويحيى بن سعيد الأموي، كلاهما عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس عن العباس، قال: قال لي رسولُ الله : "لا أرى لي عندك ولا عند أخيك منَعة، فهل أنت مُخْرِجي إلى السُّوق غدًا حتى تُعَرِّفني (٦) منازلَ قبائلِ الناس" وكانتْ مجمعَ العرب. قال: فقلت: هذه كِنْدَةُ ولفّها (٧)، وهي أفضلُ مَنْ يحجُّ البيت من اليمن، وهذه منازلُ بكر بن وائل، وهذه منازلُ بني عامر بن صعصعة، فاختَرْ لنفسك؟ قال فبدأ بكِنْدَةَ فأتاهم فقال: "ممنِ القوم؟ " قالوا: من أهل اليمن. قال: "من أيِّ اليمن؟ " قالوا: من كِنْدَة. قال: "من أيِّ كِنْدَة؟ " قالوا: من بني عمرو بن معاوية. قال: "فهل لكم إلى خير؟ " قالوا: وما هو؟ قال: "تشهدونَ أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيمون الصلاة، وتؤمنون بما جاء من عند الله".


(١) هل لها من تلافٍ": أي تدارك. وقوله هل لذناباها من مطلب: مثل ضُرب لما فاته منها، وأصله: من ذنَابَى الطائر: إذا أفلت من الحبالة، فطلب الأخذ بذناباه. الروض (٢/ ١٨١).
(٢) أي ما ادعى النبوة كاذبًا أحد من بني إسماعيل. الروض (٢/ ١٨١).
(٣) في ح: يصحبه. وإلى جابنها في الهامش: يقبله. وفوقها: (خ) إشارة إلى رواية نسخة.
(٤) أخرجه البيهقي في الدلائل (٢/ ٤١٤) عن موسى بن عقبة، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (١/ ٣٨٩) عن الطبراني، حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة عن الأسود عن عروة بن الزبير فذكره.
(٥) ليس فيما طبع من دلائل النبوة وسيأتي شطر من هذا الخبر مثبت في الدلائل يشار إليه في موضعه.
(٦) في ط: حتى نقرّ في، والمثبت من ح.
(٧) ليست اللفظة في ح.