للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل هذه السوق يرجعُ بشيءٍ أشرَّ من شيءٍ ترجعون به بدءًا، ثم (١) لتنابذوا الناسَ وترميكم العربُ عن قوسٍ واحدة، قومُه أعلم به لو آنسوا منه خيرًا لكانوا أسعدَ الناس به، أتعمدون إلى رَهيقِ قومٍ (٢) قد طردَهُ قومُه وكذَّبوه فتؤوونَه وتنصرونه؟ فبئس الرأي رأيتُم. ثم أقبل على رسولِ الله فقال: قمْ فالْحَقْ بقومِك، فوالله لولا أنك عند قومي لضربتُ عنقك. قال: فقام رسولُ الله إلى ناقته فركبها، فغمزَ الخبيثُ بَيْحَرَةُ شاكِلَتَها فقَمَصَتْ (٣) برسولِ الله فألْقَتْه. وعند بني عامر يومئذ ضُبَاعة ابنة عامر بن قُرْط، كانتْ من النسوةِ اللاتي أسلَمْنَ مع رسولِ الله بمكة، جاءتْ زائرةً إلى بني عمِّها، فقالت: يا آل عامر - ولا عامرَ لي - أيُصنعُ هذا برسول الله بين أظهركمٍ لا يمنعه أحدٌ منكم؟ فقام ثلاثةُ نفر من بني عمها إلى بَيْحَرَة واثنين أعاناه، فأخذ كلُّ رجل منهم رجلًا فجلَدَ به الأرض، ثم جلس على صدره، ثم علَوْا وجوهَهم لطمًا، فقال رسولُ الله : "اللهمَّ باركْ على هؤلاء والْعَنْ هؤلاء" قال: فأسلم الثلاثةُ الذين نصروه، وقُتلوا شهداء وهم؛ غطيف وغطفان ابنا سهل (٤)، وعروة - أو عذرة (٥) - بن عبد الله بن سلمة .

وقد روَى هذا الحديثَ بتمامه الحافظ سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في "مغازيه"، عن أبيه به. وهلك الآخرون لعنًا وهم: بَيْحَرة بن فراس، وحَزْن بن عبد الله بن سلمة بن قشير، ومعاوية بن عُبَادة، أحد بني عقيل، لعنهم الله لعنًا كثيرًا. وهذا أثرٌ غريب كتبناه لغرابته والله أعلم (٦).

وقد روى أبو نُعيم له شاهدًا من حديث كعب بن مالك في قصة عامر بن صَعْصعة وقبيح ردِّهم عليه. وأغْرَبُ من ذلك وأطول ما رواه أبو نُعيم والحاكم والبيهقي (٧) - والسياق لأبي نعيم من حديث أبان بن عبد الله البَجَلي عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، حدَّثني عليُّ بن أبي طالب قال: لما أمر الله رسوله أن يعرِض نفسه على قبائل العرب خرج - وأنا معه وأبو بكر - إلى مِنَى حتى دَفَعْنَا إلى مجلسٍ من مجالسِ العرب، فتقدَّم أبو بكرٍ فسلَّم، وكان أبو بكر مقدَّمًا في كلِّ خير، وكان رجلًا نسَّابة فقال: ممنِ القوم؟ قالوا: من ربيعة. قال: وأيِّ ربيعةَ


(١) كذا في ح، ط، وفي الدلائل: ثم بدأتم لتنابُذِ الناس.
(٢) "الرهيق": السفيه. النهاية لابن الأثير. ووقع في ط: زهيق. تصحيف، وسقطت لفظة قوم. والمثبت من ح والدلائل.
(٣) "الشاكلة من الفرس": الجلد الذي في عرض الخاصرة والثَّفِنة وهو مدخل الفخذ في الساق. وقمصت: هو أن ترفع يديها وتطرحهما معًا وتعجن برجليها. اللسان والتاج (شكل، قمص).
(٤) كذا في ط، وفي ح: سهيل، وفي دلائل أبي نعيم: غطريف وغطفان ابنا سهل. ولم أقف لهما على ترجمة.
(٥) في ح: عزرة ولم أقف له على ترجمة.
(٦) هو من رواية الكلبي الكذاب.
(٧) دلائل النبوة لأبي نعيم (١/ ٣٧٢) ودلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٤٢٢) وتاريخ ابن عساكر في ترجمة دغفل انظر مختصر ابن منظور لتاريخ ابن عساكر (٨/ ١٩٩).