للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومصعب إلى منزل أسعد بن زُرارة فأقام (١) عنده يدعو (٢) الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دارٌ من دور الأنصار إلا وفيها رجالٌ ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخَطْمة، ووائل، وواقف، وتلك أوْسُ الله، وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنهم كان فيهم أبو قيس بن الأسْلَت واسمه صَيْفي -[وقال الزبير بن بكَّار: اسمه الحارث، وقيل عبيد الله واسم أبيه الأسلت عامر بن جُشَم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس. وكذا نسبه ابن الكلبي أيضًا]- وكان شاعرًا لهم قائدًا يستمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى كان بعد الخندق.

قلت: وأبو قيس بن الأسْلَت هذا ذكر له ابنُ إسحاق أشعارًا ربَّانيةُ (٣) حسنة، تقرب من أشعار أمية بن أبي الصَّلْت الثقفي.

قال ابن إسحاق فيما تقدم (٤): ولما انتشر أمر رسولِ الله في العرب، وبلغ البلدان ذُكر بالمدينة، ولم يكن حيٌّ من العرب أعلمَ بأمر رسولِ الله حين ذُكر، وقبل أن يُذكر من هذا الحيِّ من الأوس والخزرج، وذلك لما كان يسمعون من أحبار يهود. فلما وقع أمره (٥) بالمدينة وتحدَّثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف قال أبو قيس بن الأسْلت أخو بني واقف (٦) - وكان يحبُّ قريشًا، وكان لهم صِهْرًا. كانت تحته أرْنَبُ بنت أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ، وكان يُقيم عندهم السنين بامرأته - قال قصيدة يُعَظِّم فيها الحُرْمة، وينهَى قريشًا فيها عن الحرب، ويذكر فضلهم وأحلامهم، ويذكِّرهم بلاءَ الله عندهم ودَفْعَهُ عنهم الفيل وكَيْدَه، ويأمرهم بالكفِّ عن رسول الله : [من الطويل]

أيا راكبًا إمَّا عرَضْتَ فبلِّغَنْ … مُغَلْغَلةً عنّي لُؤَيَّ بنَ غالبِ (٧)

رسولَ امرئٍ قد راعَه ذاتُ بينكم … على النَّأْي محزونٍ بذلك ناصِبِ


(١) في ط: فأقاما. تصحيف، والمثبت من ح ومصادر الخبر.
(٢) في ط: يدعوان. تصحيف، والمثبت من ح ومصادر الخبر.
(٣) في ط: بائية، والمثبت من ح.
(٤) في سيرة ابن هشام (١/ ٢٨٢) والروض (٢/ ١٧).
(٥) في السيرة والروض: ذكره.
(٦) زادت نسخة ط هنا ما نصه: قال السهيلي: هو أبو قيس صرمة بن أبي أنس، واسم أبي أنس قيس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عمرو بن غنم بن عدي بن النجار، قال: وهو الذي أنزل فيه وفي عمر ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ الآية. قال ابن إسحاق: قلت: إن إثبات هذه الزيادة خَلطٌ شنيع وغفلةٌ فاضحة، لأن أبا قيس بن الأسلت تقدم اسمه ونسبه قبل أسطر، أما أبو قيس صرمة بن أبي أنس فشاعر آخر ذكره ابن هشام في السيرة (١/ ٥١٠) وساق السهيلي نسبه المذكور في هذه الزيادة في الروض (٢/ ٢٨٧). ومن فضل الله تعالى أن هذه الزيادة ليست في ح ولعلها من تعليق أحد القراء أو النساخ والله أعلم.
(٧) "المغلغلة من الرسائل": المحمولة من بلد إلى بلد. القاموس (غلل) وفي الروض (٢/ ٢٩): الداخلة إلى أقصى ما يراد بلوغه منها.