للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان عزَمَ على الإسلام أولَ ما دعاه رسولُ الله ، فلامَهُ عبدُ الله بن أُبَيّ، فحلف لا يسلم إلى حَوْل فمات في ذي القعدة.

وقد ذكر غيرُه فيما حكاه ابنُ الأثير في كتابه: "أُسْد الغابة" (١) أنه لما حضرَهُ الموتُ دعاهُ النبيُّ إلى الإسلام فسُمع (٢) يقول: لا إله إلا الله.

وقال الإمام أحمد (٣): حدَّثنا حسن بن موسى، حدَّثنا حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، أنَّ رسولَ الله عاد رجلًا من الأنصار، فقال: "يا خال، قُلْ لا إله إلا الله" فقال: أخالٌ أمْ عَمّ؟ قال: "لا، بلْ خال" قال: فخير لي أنْ أقولَ لا إله إلا الله؟ فقال رسولُ الله : "نعم".

تفرَّد به أحمد رحمه الله تعالى.

وذكر عكرمةُ وغيرُه أنه لما تُوفِّي أراد ابنُه أن يتزوَّج امرأتَهُ كُبَيشة بنت مَعْن بن عاصم، فسألَتْ رسولَ الله في ذلك، فأنزل الله ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ الآية (٤).

وقال ابن إسحاق (٥) وسعيدُ بن يحيى الأموي في "مغازيه": كان أبو قيس هذا قد ترهَّب في الجاهلية ولبس المسوح، وفارق الأوثان، واغتسل من الجنابة، وتطهَّر من الحائض من النساء، وهمَّ بالنصرانية ثم أمسك عنها، ودخل بيتًا له فاتخذه مسجدًا، لا يدخل عليه فيه حائضٌ ولا جُنُب. وقال: أعْبُد إله إبراهيم حين فارق الأوثان وكرهها، حتى قدم رسولُ الله المدينة فأسلم، فحسُن إسلامه، وهو شيخٌ كبير، وكان قوَّالًا بالحق، معظِّمًا لله في جاهليَّته، يقولُ في ذلك أشعارًا حِسانًا وهو الذي يقول: [من الطويل]

يقول أبو قيسٍ وأصبحَ غاديًا … ألا ما استطعتُم من وَصَاتيَ فافعلوا


(١) أسد الغابة (٥/ ٢٧٨).
(٢) في ح: فسمعه، والمثبت من ط وأسد الغابة.
(٣) في مسنده (٣/ ١٥٤) رقم (١٢٥٠١) وهو حديث صحيح.
(٤) سورة النساء الآية (٢٢). قلت: رواية عكرمة في تفسير الطبري (٤/ ٣١٨) تقول: إن الآية نزلت في أبي قيس نفسه خلف على أم عبيد بنت ضمرة، كانت تحت الأسلت أبيه. أما رواية غيره التي تعزوها لابنه قيس فقد أخرجها البيهقي في سننه (٧/ ١٦١) عن عدي بن ثابت الأنصاري. وأخرجها أيضًا الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني كما ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٤٦٨) وذكر رواية عكرمة أيضًا ابن حجر في الإصابة ترجمة كبشة هذه إذ يقال لها كبشة وكبيشة وقال: أخرجه أبو موسى المستغفري.
(٥) في سيرة ابن هشام (١/ ٥١٠) قلت: ابن إسحاق يسوق هذا الخبر بعد هجرة النبي ويعزو الشعر إلى أبي قيس صِرْمة بن أبي أنس لا إلى أبي قيس بن الأسلت، ولا أدري سبب هذا الخلط بين الشاعرين والذي نبهت عليه سابقًا، وإني لأستبعد أن يكون وضع هذه الفقرة هنا من صنع ابن كثير بدلالة ذكره اسم صرمة في الصفحة الآتية بعد هذه، فحق هذه الأشعار إذًا أن يكون محلُّها فيما سيأتي بعد الهجرة كما ساقها ابن هشام في السيرة (١/ ٥١٠ - ٥١٢). وربما كانت قد سقطت من هناك فأعيد وضعها إلى هنا على يد أحد النساخ والله أعلم.