للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الخزرج بن الحارث بن الخزرج وهو الذي يقال له ابن فُسْحُم (١) في نفرٍ من بني الحارث بن الخزرج فقتلوه، فوقعتِ الحرب بين الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وكان الظفر للخزرج، وقتل يومئذ سُويد بن الصامت الأوسي، قتله المُجَذَّر بن ذياد، حليفُ بني عوف بن الخزرج؛ ثم كانت بنيهم حروب يطول ذِكْرُها أيضًا.

والمقصود أن أبا قيس بن الأسْلَت مع علْمه وفهمه لم ينتفع بذلك حين قدم مصعب بن عمير المدينة ودعا أهلها إلى الإسلام، فأسلم من أهلها بشرٌ كثير ولم يبق دارٌ - أي محلة - من دور المدينة إلا وفيها مسلم ومسلمات غيرَ دارِ بني واقف قبيلةِ أبي قيس، ثبَّطهم عن الإسلام، وهو القائل أيضًا: [من الوافر]

أربَّ الناسِ أشياءٌ ألمَّتْ … يُلَفُّ الصَّعْبُ منها بالذَّلُولِ

أربَّ الناس أمَّا إذْ ضَلَلْنا … فَيَسِّرْنا لمعروفِ السبيل (٢)

فلولا ربُّنا كنَّا يهودًا … وما دينُ اليهودِ بذي شُكول (٣)

ولولا ربُّنا كنَّا نصارَى … مع الرُّهبانِ في جَبَل الجَلِيل (٤)

ولكنَّا خُلقنا إذْ خُلقنا … حنيفًا دينُنا عن كلِّ جيل

نسوقُ الهَدْيَ ترسفُ مُذْعِناتٍ … مكشَّفةَ المناكبِ في الجلُول (٥)

وحاصلُ ما يقول أنه حائرٌ فيما وقع من الأمر الذي قد سمعه من بعثةِ رسول الله فتوقَّف الواقفيُّ في ذلك مع علمه ومعرفته. وكان الذي ثبَّطَه عن الإسلام أولًا عبدُ الله بن أُبيِّ بن سَلُول، بعد ما أخبره أبو قيس أنه الذي بشر به يهود، فمنعه عن الإسلام.

قال ابنُ إسحاق: ولم يسلم إلى يوم الفتح هو وأخوه وخرج.

وأنكر الزُّبير بن بكَّار أن يكون أبو قيس أسلم. وكذا الواقدي (٦)، قال:


(١) في ط: قسحم. بالقاف تصحيف، والمثبت من القاموس وشرحه: وفسحم أُمُّه، ومعناه: الواسع الصدر.
(٢) في ح، ط: إمَّا أن ضللنا. والمثبت من السيرة والروض.
(٣) أراد جمع شَكْل، وشَكْل الشيء - بالفتح - هو مثله، والشِّكل بالكسر: الدَّلُّ والحُسْن، فكأنه أراد أن دين اليهود بدع، فليس له شكول أي: ليس له نظير في الحقائق؛ ولا مثيل يعضده من الأمر المعروف المقبول. الروض (٢/ ٢٠٠).
(٤) الجليل بالجيم الثُّمام، وهذا الجبل من جبال الشام معروف. الروض (٢/ ٢٠٠).
(٥) "ترسف": تمشي مشي المقيَّد. الجلول: مفردها جل وهو ما تلبسه الدابة لتصان به. القاموس (رسف، جلل). والأبيات في سيرة ابن هشام (١/ ٤٣٨) والروض (٢/ ١٨٧) وما عدا الأول برواية مختلفة في طبقات ابن سعد (٤/ ٣٨٥).
(٦) رواية الواقدي بأطول مما هنا في طبقات ابن سعد (٤/ ٣٨٣ - ٣٨٥).