للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابنُ إسحاق (١): فأقام رسولُ اللَّه في الغار ثلاثًا ومعه أبو بكر، وجعلتْ قريشٌ فيه حين فقدوه مئة ناقة لمن ردَّه عليهم (٢)، فلما مضت الثلاث وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الذي استأجره ببعيرَيْهما وبعيرٍ له، وأتتهما أسماءُ بنتُ أبي بكر بسُفْرتهما، ونسيتْ أن تجعل لها عِصاما، فلما ارتحلا ذهبت لتعلِّق السُّفرة فماذا ليس فيها عصام، فتحل نِطَاقها فتجعله عصامًا ثم علَّقتها به. فكان يقال لها ذات النطاقَيْن لذلك.

قال ابنُ إسحاق (٣): فلما قرَّب أبو بكر الراحلتين إلى رسولِ اللَّه قدم له أفضلهما ثم قال: اركَبْ فداك أبي وأمي، فقال رسول اللَّه : "إني لا أركبُ بعيرًا ليس لي" قال: فهي لك يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي. قال: "لا، ولكن ما الثمن الذي ابتعتَها به؟ " قال: كذا وكذا. قال "أخذتُها بذلك" قال: هي لك يا رسول اللَّه.

وروى الواقديُّ بأسانيده (٤) أنه أخذ القصواء، قال وكان أبو بكر اشتراهما بثمانمئة درهم.

وروى ابن عساكر (٥) من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: وهي الجَدْعاء وهكذا حكى السُّهيلي (٦) عن ابن إسحاق أنها الجدعاء. واللَّه أعلم.

قال ابنُ إسحاق (٧): فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر عامرَ بن فُهيرة مولاه خلفه ليخدمَهما في الطريق. فحُدِّثت عن أسماء أنها قالت: لما خرج رسولُ اللَّه وأبو بكر أتانا نفرٌ من قريش فيهم أبو جهل؛ فذكر ضربَهُ لها على خدِّها لَطْمةً طرح منها قُرْطها من أذنها كما تقدَّم. قالت: فمكثنا ثلاث ليالي ما ندري أين وجهُ رسولِ اللَّه حتى أقبل رجلٌ من الجِن من أسفل مكة يتغنَّى بأبياتٍ من شعر غناءِ العرب، وإنَّ الناس ليتَّبعونه، يسمعون صوته وما يرَوْنه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول: [من الطويل]

جزى اللَّهُ ربِّ الناسِ خيرَ جزائِهِ … رفيقَيْن حلَّا خيمتي أمِّ مَعْبَدِ

هما نزلا بالبرِّ ثم تروَّحا … فأفلحَ من أمسى رفيقَ محمدِ


= حديث الهجرة. قلت: أما قول البراء فقد أخرجه البخاري من طريق شعبة عن أبي إسحاق في الفتح (٣٩٢٥) مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحابه المدينة.
(١) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٦) والروض (٢/ ٢٢٤).
(٢) زاد ابن هشام هنا ما حذفه ابن كثير لتقدمه.
(٣) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٦) والروض (٢/ ٢٢٤).
(٤) طبقات ابن سعد (١/ ٢٢٨).
(٥) مختصر ابن منظور لتاريخ ابن عساكر (٢/ ٣٥٧).
(٦) في الروض (٢/ ٢٣٠).
(٧) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٧) والروض (٢/ ٢٢٥).