للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعَثَا رجلًا من أهلِ البادية يؤذنُ بهما الأنصار، فاستقبلهما زهاءُ خمسمئةٍ من الأنصار حتى انتهوا إليهما فقالت الأنصار: انطلقا آمنَيْن مطاعَيْن. فأقبل رسولُ اللَّه وصاحبُه بين أظهرهم، فخرج أهلُ المدينة حتى إنَّ العَوَاتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيُّهم هو؟ أيهم هو؟ فما رأينا منظرًا شبيهًا به. قال أنس: فلقد رأيتُه يوم دخل علينا ويوم قبض. فلم أر يومين شبيهًا بهما.

ورواهُ البيهقي (١) عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصَّنْعاني، عن أبي النَّضْر هاشم ابن القاسم، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس بنحوه -أو مثله- وفي الصحيحَيْن (٢) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن أبي بكرٍ في حديث الهجرة، قال: وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: اللَّه أكبر، جاء رسول اللَّه ، اللَّه أكبر جاء محمد، اللَّه أكبر جاء محمد، اللَّه أكبر جاء رسول اللَّه ، فلما أصبح انطلق وذهب حيث أُمر.

وقال البيهقي (٣): أخبرنا أبو عمرو الأديب، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي، سمعتُ أبا خليفة يقول: سمعت ابنَ عائشة يقول: لما قدم رسولُ اللَّه المدينة جعل النساءُ والصبيان يقلن: [من مجزوء الرمل]

طلعَ البدرُ علينا … من ثَنيَّات الوَدَاع

وجبَ الشُّكْرُ علينا … ما دعا للَّه داع (٤)

قال محمد بن إسحاق (٥): فنزل رسول اللَّه فيما يذكرون يعني حين نزل بُقباء- على كلثوم بن الهِدْم أخي بني عمرو بن عَوف، ثم أحدِ بني عُبيد، ويقال: بل نزل على سعد بن خَيْثَمة، ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن الهِدْم: إنما كان رسولُ اللَّه إذا خرج من منزل كلثوم بن الهِدْم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزَبًا لا أهل له، وكان يقالُ لبيته بيت العزَّاب واللَّه أعلم. ونزل أبو بكر على خُبيب بن إساف أحدِ بني الحارث بن الخزرج بالسُّنح؛ وقيل على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج.

قال ابن إسحاق (٦): وأقام عليُّ بن أبي طالب بمكة ثلاثَ ليالٍ وأيامها حتى أدَّى عن رسول اللَّه


(١) في دلائل النبوة (٢/ ٥٠٧).
(٢) فتح الباري (٣٦٥٢) فضائل الصحابة باب مناقب المهاجرين وفضلهم، وصحيح مسلم (٧٥ - ٢٠٠٩) الزهد باب في حديث الهجرة.
(٣) في الدلائل (٢/ ٥٠٦).
(٤) وإسناده ضعيف. والصواب أن ذلك كان عند رجوعه من تبوك، ولذلك قال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (٣/ ٥٥١) وبعض الرواة يهم في هذا، ويقول: إنما كان ذلك عند مقدمه إلى المدينة من مكة وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع، إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام.
(٥) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٩٣) والروض (٢/ ٢٣٧).
(٦) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٩٣) والروض (٢/ ٢٣٧).