للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسلامي من اليهود وقلت: يا رسول اللَّه! إنَّ اليهودَ قومٌ بُهْت، وإني أحبُّ أنْ تُدخلَني في بعضِ بيوتِك فتغيِّبَني عنهم، ثم تسألُهم عني فيخبروك كيف أنا فيهم، قبلَ أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إنْ يعلموا بذلك بهَتُوني وعابوني. وذكر نحو ما تقدَّم.

قال: فأظهرتُ إسلامي وإسلامَ أهلِ بيتي، وأسلمتْ عمتي خالدة بنت الحارث.

وقال يونس بن بُكير (١): عن محمد بن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر، حدثنا محدِّثٌ عن صفيةَ بنتِ حُيَيّ قالت: لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني، لم ألقهما في ولد لهما قط (٢) أهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسولُ اللَّه قُباء -قرية بني عمرو بن عوف- غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلِّسين (٣)، فواللَّه ما جاآنا إلا مع مغيب الشمس، فجاآنا فاترَيْن كسلانَيْن ساقطَيْن يمشيانِ الهُوَينى، فهششتُ إليهما كما كنتُ أصنع، فواللَّه ما نظر إليّ واحدٌ منهما، فسمعتُ عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم واللَّه. قال: تعرفه بنعته (٤) وصفته؟ قال: نعم واللَّه. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوتُه واللَّه ما بَقِيت.

وذكر موسى بن عقبة (٥) عن الزهري أنَّ أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسولُ اللَّه المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادثه، ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم، أطيعوني، فإنَّ اللَّه قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه. فانطلق أخوه حيي بن أخطب -وهو يومئذ سيدُ اليهود، وهما من بني النَّضِير- فجلس إلى رسولِ اللَّه وسمع منه، ثم رجع إلى قومه -وكان فيهم مُطاعًا- فقال: أتيتُ من عندِ رجلٍ واللَّه لا أزال له عدوًا أبدًا. فقال له أخوه أبو ياسر: يا ابن أمّ، أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعدَه لا تَهْلِك. قال: لا واللَّه لا أطيعك أبدًا، واستحوذ عليه الشيطان، واتبعه قومُه على رأيه.

قلت: أما أبو ياسر واسمه جُدَيُّ بن أخطب (٦)، فلا أدري ما آل إليه أمرُه، وأما أخوه حُيَيُّ بن أخطب والد صفية بنت حيي فشرب عداوةَ النبيِّ وأصحابه، ولم يزل ذلك دأبُه لعنه اللَّه حتى قُتل صبرًا بين يدي رسولِ اللَّه يوم قَتَل مقاتلة بني قُرَيظة كما سيأتي إن شاء اللَّه.


(١) قول يونس هذا في دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٥٣٣) أخرجه بإسناده عنه به.
(٢) في الدلائل: لم ألقهما قط مع ولد لهما أهش. . .
(٣) في ح: بغلس.
(٤) في الدلائل: بعينه.
(٥) خبر موسى بن عقبة هذا في دلائل البيهقي (٢/ ٥٣٢) ذكره بإسناده إلى ابن شهاب الزهري.
(٦) في ط: واسمه حيي بن أخطب. تصحيف والمثبت من ح والمؤتلف والمختلف للدارقطني (١/ ٥٢٦) والإكمال (٢/ ٦٢) ولم يذكرا كنيته، وفي سيرة ابن هشام (١/ ٥١٤) ثلاثة: حيي بن أخطب، وأخواه أبو ياسر بن أخطب وجُدي بن أخطب.