للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشام في وقعة صِفِّين وعمَّار مع علي وأهلِ العراق كما سيأتي بيانُه وتفصيلُه في موضعه. وقد كان عليٌّ أحقَّ بالأمر من معاوية. ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بُغاةً تكفيرُهم كما يحاولُه جهلَةُ الفرقة الضالَّة من الشِّيعة وغيرهم، لأنهم وإنْ كانوا بغاةً في نفس الأمر فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطَوْه من القتال وليس كلُّ مجتهدٍ مصيبًا، بل المصيبُ له أجران والمخطئ له أجر، ومن زاد في هذا الحديث بعد تقتلك الفئة الباغية - (لا أنالها اللَّه شفاعتي يوم القيامة) - فقد افترى في هذه الزيادة على رسولِ اللَّه ، فإنه لم يقلْها إذ لم تُنقل من طريقٍ تُقبل. واللَّه أعلم.

وأما قولُه: يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فإنَّ عمارًا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الأُلفة واجتماع الكلمة. وأهلُ الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون مَنْ هو أحقُّ به، وأن يكون الناسُ أوزاعًا على كلِّ قُطْرٍ إمامٌ برأسه، وهذا يؤدِّي إلى افتراق الكلمة واختلاف الأمة، فهو لازمُ مذهبهم وناشئٌ عن مسلكهم، وإنْ كانوا لا يقصدونه. واللَّه أعلم. وسيأتي تقريرُ هذه المباحث إذا انتهينا إلى وقعةِ صفين من كتابنا هذا بحول اللَّه وفوته وحُسْنِ تأييده وتوفيقه، والمقصود ها هنا إنما هو قصة بناء المسجدِ النبوي على بانيه أفضل الصلاة والتسليم.

وقد قال الحافظ البيهقي في "الدلائل" (١): حدَّثنا أبو عبد اللَّه الحافظ إملاءً، حدثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا عبيد بن شريك، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد اللَّه بن المبارك أخبرنا حَشْرَج بن نُبَاتة، عن سعيد بن جُمْهَان، عن سَفينة مولى رسولِ اللَّه ، قال: [لما بنى رسول اللَّه المسجد] جاء أبو بكر بحجرٍ فوضعه، ثم جاء عثمان بحجرٍ فوضعه، ثم جاء عمر بحجرٍ فوضعه، فقال رسول اللَّه : "هؤلاء ولاةُ الأمْرِ بعدي".

ثم رواه (١) من حديث يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني، عن حَشْرَج، عن سعيد، عن سَفينة. قال: لما بنى رسولُ اللَّه المسجد وضع حجرًا. ثم قال: "ليضعْ أبو بكر حجرًا إلى جنب حجري، ثم ليضعْ عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر، ثم ليضع عثمانُ حجره إلى جنب حجر عمر" فقال رسولُ اللَّه : "هؤلاء الخلفاء من بعدي".

وهذا الحديث بهذا السياق غريبٌ جدًا.

والمعروف ما رواه الإمامُ أحمد (٢) عن أبي النَّضْر، عن حَشْرَج بن نُباتة العبسي؛ وعن بَهْز وزيد بن الحُبَاب؛ وعبد الصمد وحماد بن سلمة كلاهما عن سعيد بن جُمْهان عن سفينة قال سمعت رسولَ اللَّه يقول: "الخلافة ثلاثون عامًا، ثم يكون من بعد ذلك المُلك" ثم قال سفينة: أمسك؛ خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشر سنين وخلافة عثمان اثنتا عشر سنة، وخلافة علي ست سنين.


(١) (٢/ ٥٥٣) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٢) في المسند: (٥/ ٢٢٠، ٢٢١) رقم (٢١٨١٦).