للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال البيهقي (١): وكأنه إنما تركها لما رواه مسلم (٢) من طريق عن أبي نَضْرَة عن أبي سعيد قال: أخبرَني مَنْ هو خيرٌ مني أنَّ رسولَ اللَّه قال لعمار حين جعل يحفرُ الخندق، جعل يمسح رأسه ويقول: "بُؤْسَ ابنِ سُمَيَّة تقتُلكَ فئةٌ باغية".

وقد رواه مسلمٌ أيضا (٣) من حديث شعبة عن أبي مَسْلَمة (٤)، عن أبي نَضْرَة عن أبي سعيد، قال: حدَّثني مَنْ هو خيرٌ منِّي -أبو قتادة- أنَّ رسولَ اللَّه قال لعمارِ بن ياسر: "بؤسًا لك يا ابنَ سُمَيَّة تقتلك الفئة الباغية".

وقال أبو داود الطَّيالسي (٥): حدَّثنا وهيب عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد، أنَّ رسولَ اللَّه لما حفر الخندق كان الناسُ يحملون لَبنةً لَبنة، وعمار -ناقِهٌ من وَجَعٍ كانَ به- فجعل يحملُ لبنتَيْن لبنتَيْن. قال أبو سعيد: فحدَّثني أصحابي أنَّ رسولَ اللَّه كان ينفضُ الترابَ عن رأسه ويقول: "وَيْحَك ابنَ سُميَّة تقتلك الفئةُ الباغية".

قال البيهقي (٦): فقد فرَّق بين ما سمعه بنفسه وما سمعه من أصحابه. قال ويُشبه أن يكون قولُه الخندق وَهْمًا، أو أنه قال له ذلك في بناء المسجد وفي حفر الخندق. واللَّه أعلم.

قلت: حَمْلُ اللبن في حفر الخندق لا معنى له، والظاهر أنه اشتبه على الناقل واللَّه أعلم. وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أخبر صلواتُ اللَّه وسلامه عليه عن عمَّار أنه تقتُله الفئةُ الباغية، وقد قتله أهلُ


= الرواية مدرجة، والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري. وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد، وحملهم لبنة لبنة وفيه: فقال أبو سعيد: فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول اللَّه أنه قال: يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية. . . وهذا الإسناد على شرط مسلم وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك، ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: حدثني من هو خير مني أبو قتادة، فذكره، فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي دون غيره، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الحديث." انتهى كلام الحافظ.
قلت: فهذا من أقوى دليل على أن الحافظ ابن حجر يؤيد أن هذه العبارة ليست في الصحيح، فكيف يكتبها في "الفتح"؟ لكن الناشرين كتبوا المتن من مكان وكتبوا الحواشي من النسخ الخطية، وخلاصة القول أن ما ذكره المصنف ابن كثير هو الصواب، وأن العبارة ينبغي أن تحذف من المطبوع من صحيح البخاري (بشار).
(١) في الدلائل (٢/ ٥٤٨).
(٢) صحيح مسلم (٧١ - ٢٩١٥) الفتن وأشراط الساعة باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت.
(٣) وهي الرواية التي تلي الرواية السابقة برقم (٧٢).
(٤) في ح، ط: عن أبي مسلم. وهو تصحيف، والمثبت من صحيح مسلم وترجمته في تهذيب الكمال (١١/ ١١٤) وهو سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي الطاحي البصري.
(٥) مسند الطيالسي (٢١٦٨).
(٦) في دلائل النبوة (٢/ ٥٤٩).