للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاعَ نصيبَه، وتكلَّفَ ما لا علم له به.

وهذا الذي قاله قتادة مصرَّح به في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥].

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: ٩٧]. فمن تكلَّف غير هذه الثلاث، أي: من عِلْم أحكامِ ما تدلُّ عليه حركاتها ومقارناتها (١) في سيرها، وأن ذلك يدلُّ على حوادث أرضية فقد أخطأ؛ وذلك أَن أكثر كلامهم في هذا الباب ليس فيه إلا حَدْسٌ وظنون كاذبة ودَعاوى باطلة.

وذكرَ تعالى أنَّه خلقَ سبع سموات طباقًا، أي: واحدة فوق واحدة. واختلف أصحابُ الهيئة هل هُنَّ متراكمات (٢)، أو متفاصلات بينهن خلاء؛ على قولين: والصحيح الثاني، لما قدَّمنا من حديث عبد اللَّه بن عَميرة، عن الأحنف، عن العباس في حديث الأوعال؛ أنَّ رسولَ اللَّه قال: "أتدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: اللَّه ورسولُه أعلم. قال: بينها مسيرة خمسمئة عام. ومن كل سماء إلى سماء خمسمئة سنة. وَكُثُف (٣) كل سماء خمسمئة سنة. . " الحديث (٤) بتمامه. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسَّنه.

وفي الصحيحين: من حديث أنسٍ في حديث الإسراء، قال فيه: ووجدَ في السماء الدنيا آدمَ، فقال له جبريل: "هذا أبوكَ آدمُ فسَلِّم عليه، فسلَّمَ عليه (٥)، فردَّ عليه السلام، وقال: مرحبًا وأهلًا بابني، نعم الابنُ أنت .. إلى أنْ قالَ: ثم عرجَ إلى السماء الثانية، وكذا ذكرَ في الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة".

فدلَّ على التَّفاصل بينها، لقوله: "ثُمَّ عُرِجَ بنا حتى أتينا السَّماءَ الثانية، فاستفتحَ، فقيل: منْ هذا" الحديث (٦). وهذا يدلُّ على ما قلناه، واللَّه أعلم.

وقد حكى ابنُ حزم، وابنُ المُنَيّر، وأبو الفرج بن الجوزي، وغيرُ واحد من العلماء: الإجماعَ على أنَّ السماواتِ كُرَيَّةٌ (٧) مستديرة. واستُدلّ على ذلك بقوله: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣]. قال


(١) في ب: ومقارباتها.
(٢) فى ب: متراكبات.
(٣) "وَكُثُفُ": سماكة.
(٤) تقدم الحديث وتخريجه ص ١٧.
(٥) سقطت من المطبوع.
(٦) رواه البخاري في صحيحه (٣٤٩) في الصلاة، ومسلم في صحيحه (١٦٣) في الإيمان.
(٧) في المطبوع: كرة.