للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(الحسن) (١): يدورون، وقال ابن عباس: في فلكةٍ مثل فَلْكةِ المِغزل (٢). قالوا: ويدلُّ على ذلك أن الشَّمسَ تغربُ كلَّ ليلة من المغرب، ثم تطلعُ في آخرها منَ المشرق، كما قال أميَّةُ بن أبي الصلت: [من الكامل]

والشمس تبدو كلَّ آخِر ليلةٍ … حمراءَ تصبحُ لونها يتوَرَّدُ

تَأبى فما تبدُو لنا في رسلها … إلَّا مُعَذَّبةً وإلَّا تُجْلَدُ

فأما الحديث الذي رواه البخاريُّ، حيث قال (٣): حدَّثنا محمد بن يوسف، حدَّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التَّيمي، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسولُ اللَّه لأبي ذرٍّ حينَ غربتِ الشَمسُ: "تدري أينَ تذهبُ؟ قلت: اللَّه ورسولُه أعلمُ. قال: فإنَّها تذهبُ حتى تسجدَ تحتَ العرش فتستأذنُ، فيُؤذنُ لها، ويُوشكُ أنْ تسجدَ فلا يُقبل منها، وتستأذنُ فلا يُؤذنُ لها. ويُقالُ لها: ارجعي من حيثُ جئتِ، فتطلعُ منْ مَغْربها، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: ٣٨] " (٤).

هذا لفظه في بدء الخلق، ورواه في التفسير (٥)، وفي التوحيد (٦): من حديث الأعمش أيضًا. ورواه مسلمٌ في الإيمان: من طريق الأعمش (٧)، ومن طريق يُونس (٨) بن عبيد (٩)، وأبو داود (١٠): من طريقِ الحَكمِ بن عُتَيْبة، كلُّه من [حديث] إبراهيم بن يزيد بن شَريك، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ به، نحوه. وقال الترمذي (١١): حسن صحيح.

إذا عُلمَ هذا فإنه حديث لا يُعارِضُ ما ذكرناه من استدارة الأفلاك التي هي السماوات على أشهر القولين، ولا يدلُّ على كرية العرش، كما زعمه زاعمون. قد أبطلنا قولهم فيما سلفَ، ولا يدلُّ على أنه تصعدُ إلى فوق السماوات من جهتنا حتى تسجدَ تحتَ العرش، بل هي تغربُ عن أعيننا، وهي مستمرَّة في فلكها الذي هي فيه، وهو الرابع فيما قاله غيرُ واحد من علماء التفسير (١٢). وليس في الشرع ما ينفيه، بل في الحسِّ،


(١) أثبتها من ب.
(٢) "فلكة المغزل": قطعة مستديرة من الخشب ونحوه تُجعل في أعلاه، وتثبت السِّنَّارة من فوقها وعود المِغْزل من تحتها.
(٣) ديوانه (ص ٣٦٥) وتقدم (ص ٢١).
(٤) صحيح البخاري (٣١٩٩).
(٥) نفسه (٤٨٠٢) و (٤٨٠٣).
(٦) نفسه (٧٤٢٤) و (٧٤٣٣).
(٧) صحيح مسلم (١٥٩) (٢٥١).
(٨) في أ: "ابن يونس"، وهو سهو.
(٩) صحيح مسلم (١٥٩) (٢٥٠).
(١٠) أبو داود (٤٠٠٢) في الحروف والقراءات.
(١١) الترمذي (٢١٨٦) في الفتن، و (٣٢٢٧) في التفسير.
(١٢) في بعض النسخ: التسبير.