للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالت: فقلت: واللَّه ما يَدْري أبي ما يقولُ. قالت: ثم دنوتُ إلى عامر بن فُهيرة فقلت: كيف تَجِدُك يا عامر؟ قال: [من الرجز]

لقد وجدتُ الموتَ قبل ذَوْقِهِ … إنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ من فَوْقِهِ

كلُّ امرئٍ مجاهدٌ بطَوْقِهِ … كالثورِ يَحْمي جِلدَهُ بِرَوْقِهِ (١)

قالت: فقلت: واللَّه ما يدري عامرٌ ما يقول. قالت: وكان بلال إذا أدركته الحُمَّى اضْطَجَعَ بفِناءِ البيت ثم رفع عَقِيرَتَه فقال: [من الطويل]

ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً … بفَخٍّ وحَوْلي إذْخِرٌ وجَليلُ (٢)

وهل أرِدَنْ يومًا مياهَ مَجَنَّةٍ … وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطَفِيلُ

قالت عائشة: فذكرتُ لرسولِ اللَّه ما سمعتُ منهم وقلت: إنهم ليَهْذُونَ وما يعقلون من شِدَّةِ الحُمَّى. فقال: "اللهمَّ حَبِّبْ إلينا المدينة، كما حَبَّبْتَ إلينا مكة أو أشدّ، وباركْ لنا في مُدِّها وصاعها، وانقُلْ وباءَها إلى مَهْيَعَة" ومَهْيَعة هي الجُحْفَة.

وقال الإمامُ أحمد (٣): حدَّثنا يونس، حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي بكر بن إسحاق بن يسار، عن عبد اللَّه بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: لما قدم رسولُ اللَّه المدينة اشتكى أصحابُه واشتكى أبو بكر وعامرُ بن فُهيرة مولى أبي بكر وبلال، فاستأذنتْ عائشةُ رسولَ اللَّه في عيادتهم فأذن لها، فقالت لأبي بكر: كيف تجدك؟ فقال: [من الرجز]

كلُّ امرئٍ مصبِّحٌ في أهلِهِ … والموتُ أدنى من شِرَاكِ نَعْلِهِ

وسألت عامرًا فقال: [من الرجز]

إني وجدتُ الموتَ قبل ذَوْقِهِ … إنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ من فَوْقِهِ

وسألتُ بلالًا فقال: [من الطويل]

يا ليتَ شعري هل أبيتَنَّ ليلةً … بفَخٍّ وحولي إذْخِرٌ وجَليلُ (٤)

فأتَتِ رسولَ اللَّه فأخبرَتْه، فنظر إلى السماء وقال: "اللهم حَبِّبْ إلينا المدينة كما حبَّبْتَ إلينا مكة أو أشدّ، اللهم باركْ لنا في صاعها وفي مُدِّها، وانقُلْ وباءها إلى مَهْيَعَة". وهي الجُحْفَة فيما زعموا.


(١) "الرَّوْق": القرن. اللسان (روق). بطوقه: بطاقته. قاله ابن هشام في السيرة.
(٢) "فخ": موضع بمكة. القاموس المحيط.
(٣) في مسنده (٦/ ٦٥) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٤) وقع في مسند أحمد: بفج. بالجيم وهو تصحيف. انظر معجم البلدان (٤/ ٢٣٧) وما سبق.