للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أفطرَ الصائمُ" (١) والزمانُ المحقّق ينقسمُ إلى ليل ونهار، ليس (٢) بينهما غيرهما. ولهذا قال تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ (٣) مُسَمًّى﴾ [لقمان: ٢٩] فيُولج من هذا في هذا، أي: يأخذ من طول هذا في قِصَر هذا فيعتدلان، كما في أول فصل الربيع يكونُ الليل قبل ذلك طويلًا والنَّهارُ قصيرًا، فلا يزالُ اللَّيْلُ ينقصُ، والنَّهارُ يتزايدُ حتى يعتدلا، وهو أول الربيع. ثم يشرعُ النَّهارُ يطول ويتزايد والليل يتناقصُ [إلى آخر فصل الربيع، ثم يتراجعُ الأمر، وينعكس الحالُ، فيشرع النهار يتناقصُ والليل في ازدياد] (٤) حتى يعتدلا أيضًا في أول فصل الخريف. ثم يشرعُ الليلُ يطولُ ويقصرُ النهار إلى آخر فصل الخريف. ثم يترجَّح النَّهار قليلًا قليلًا، ويتناقصُ الليل شيئًا فشيئًا حتى يعتدلا في أول فصل الربيع -كما قدَّمنا- وهكذا في كل عام. ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [المؤمنون: ٨٠] أي: هو المتصرفُ في ذلك كلِّه، الحاكمُ الذي لا يُخالَف ولا يُمانع، ولهذا يقول في ثلاث آيات عند ذكر السماوات والنجوم والليل والنهار ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيز﴾ [الأنعام: ٩٦] (٥) أي: العزيز الذي قد قهرَ كلَّ شيء، ودانَ له كل شيء، ولا (٦) يُمانَع ولا يُغالَبُ، العليمُ بكلِّ شيءٍ، فقدَّر تقديرًا على نظام لا يختلف ولا يضطرب.

وقد ثبتَ في الصحيحين: من حديث سفيان بن عُيَيْنةَ، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه : "قال اللَّه ﷿ (٧): يؤذيني ابنُ آدمَ يسبُّ الدهرَ وأنا الدهرُ، بيدي الأمر أقَلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ" (٨) وفي رواية: "وأنا الدهرُ أُقَلِّبُ ليلَه ونهاره" (٩).

قال العلماء: كالشافعي، وأبي عُبيد القاسم بن سلام، وغيرهما: يسبُّ الدهرَ؛ أي: يقولُ: فعلَ بنا الدَّهرُ كذا، يا خيبةَ الدَّهر! أيتمَ الأولادَ، أرْمَلَ النساءَ. قال اللَّه تعالى: "وأنا الدهر" أي: أنا الدهرُ الذي يعنيه، فإنَّه فاعلٌ ذلك الذي أُسْنِدُه إلى الدهرِ، والدَّهرُ مخلوقٌ، وإنما فعلَ هذا هو اللَّه، فهو


(١) رواه البخاري في صحيحه (١٩٥٤) في الصوم، ومسلم في صحيحه (١١٠٠) في الصيام، وأبو داود (٢٣٥١) في الصوم، والترمذي (٦٩٨) في الصوم. عن عمر بن الخطاب .
(٢) في ب: وليس.
(٣) في الأصول: لأجل؛ ولا وجه لها هنا، ولعلها التبست بآية أخرى، كالآية رقم (٢) من سورة الرعد، أو الآية (١٣) من سورة فاطر.
(٤) ما بين حاصرتين سقط من المطبوع.
(٥) و [يس: ٣٨] و [فصلت: ١٢].
(٦) في ب: فلا.
(٧) زيادة من ب.
(٨) رواه البخاري في صحيحه (٤٨٢٦) في التفسير، و (٧٤٩١) في التوحيد، ومسلم في صحيحه (٢٢٤٦) (٢) في الألفاظ.
(٩) رواها مسلم في صحيحه (٢٢٤٦) (٣) في الألفاظ.