للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسبُّ فاعلَ ذلك ويعتقدُه الدهر. واللَّه هو الفاعلُ لذلك، الخالقُ لكلِّ شيءٍ، المتصرِّفُ في كل شيءٍ، كما قال: "وأنا الدَّهرُ بيدي الأمرُ أُقلِّبُ ليله ونهارَه" وكما قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: ٢٦ - ٢٧] وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٥ - ٦] أي: فاوتَ (١) بين الشمس والقمر في نورهما، وفي شكلهما، وفي وقتهما، وفي سيرهما، فجعلَ هذا ضياءً، وهو شعاعُ الشمس برهانٌ ساطعٌ وضوءٌ باهرٌ ظاهرٌ ﴿وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ أي: أضعف من برهان الشمس، وجعله مستفادًا من ضوئها، وقدَّرها منازلَ، أي: يطلعُ أوَّل ليلةٍ من الشهر صغيرًا ضئيلًا، قليلَ النور لقربهِ من الشمس، وقلَّةِ مقابلته لها، فبقدر مقابلتهِ لها يكونُ نورُه، ولهذا في الليلة الثانية يكونُ أبعدَ منها بضعفِ ما كان في الليلة الأولى، فيكون نورُه بضعفِ النُّور أوَّل ليلةٍ، ثمَّ كلما بَعُدَ ازدادَ نورُه، حتى يتكاملَ إبدارُه ليلةَ مقابلتهِ إيَّاها من المشرقِ، وذلك ليلةَ أربعَ عشرةَ من الشهر. ثم يشرعُ في النقص لاقترابه إليها من الجهة الأخرى إلى آخر الشهر فيَسْتَسِرُّ (٢) حتى يعودَ كما بدأ في أول الشهر الثاني. فبه (٣) تُعرف الشهورُ، وبالشمس تُعرف الليالي والأيام، وبذلك تعرفُ السنينُ والأعوامُ، ولهذا قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: ٥] وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ [الإسراء: ١٢] وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩].

وقد بسطنا القول على هذا كله في "التفسير" (٤). فالكواكبُ التي في السماء منها سيَّارات، وهي المتحيزه (٥) في اصطلاح علماء التفسير، وهو علم غالبُه صحيح، بخلاف علم الأحكام فإن غالبه باطل، ودعوى ما لا دليل عليه، وهي سبعة: القمر في سماء الدنيا، وعُطارد في الثانية، والزَّهرة في الثالثة، والشَّمس في الرابعة، والمرِّيخ في الخامسة، والمُشْتري في السادسة، وزُحَل في السابعة. وبقية الكواكب يُسمونها الثوابت، وهي عندهم في الفلك الثامن، وهو الكرسيُّ في اصطلاح كثير من المتأخرين.

وقال آخرون: بل الكواكبُ كلُّها في السماء الدنيا، ولا مانعَ من كون بعضها فوقَ بعضٍ، وقد


(١) في ب: قارب.
(٢) في المطبوع: فيستتر، واستسرَّ الشيءُ: اختفى ولم يظهر.
(٣) في ب: به.
(٤) تفسير القرآن العظيم (٢/ ٥٠٢).
(٥) في ب: المتحيِّرة. وفي المطبوع: المتخيرة.