كتاب البداية والنهاية - ط دار ابن كثير

ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة من الحوادث - فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر - ج: 4 - ص: 31

واللَّه أعلم. وقيل: في شعبان منها. قال ابن إسحاق: بعد غزوة عبد اللَّه بن جحش. ويقال: صرفت القِبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من مقدم رسول اللَّه ﷺ المدينة (١).

وحكى هذا القول ابن جرير (٢)، من طريق السّدّيّ بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة.

[وبه] قال الجمهور الأعظم؛ إنّها صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من الهجرة. ثم حكى (٣) عن محمد بن سعد، عن الواقديّ أنّها حوّلت يوم الثلاثاء النصف من شعبان (٤)، وفي هذا التحديد نظرٌ، واللَّه أعلم.

وقد تكلّمنا على ذلك مستقصى في "التفسير" (٥) عند قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (٦)﴾ [البقرة: ١٤٤] وما قبلها وما بعدها من اعتراض سفهاء اليهود والمنافقين والجهلة الطّغام (٧) على ذلك؛ لأنّه أول نسخ وقع في الإسلام. هذا وقد أحال اللَّه قبل ذلك في سياق القرآن تقرير جواز النّسخ عند قوله (٨): ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا (٩) نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٠٦].

وفد قال البخاريّ (١٠): حدّثنا أبو نعيم، سمع زهيرًا، عن أبي إسحاق، عن البراء أنّ النبيّ ﷺ صلّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا [أو سبعة عشر شهرًا]، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت، وأنّه صلّى أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر، وصلّى معه قوم فخرج رجل ممّن كان معه، فمرّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد باللَّه، لقد صلّيت مع النبيّ ﷺ قِبَل مكة. فداروا كما هم قِبَل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللَّه:

---

(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٦).
(٢) انظر "تاريخ الطبري" (٢/ ٤١٦).
(٣) انظر "تاريخ الطبري" (٢/ ٤١٦).
(٤) انظر "شذرات الذهب" (١/ ١١٤) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.
(٥) انظر "تفسير ابن كثير" (١/ ٢٧٨ - ٢٨٠).
(٦) هكذا في (أ) و (ط) بالتاء، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي. انظر "حجَّة القراءات" لابن مجاهد ص (١١٦ - ١١٧).
(٧) الطغام: أرذال الناس وأوغادهم. انظر "لسان العرب" (طغم).
(٨) انظر "التفسير" للمؤلف (١/ ٢١٤ - ٢١٨).
(٩) هكذا في (أ) و (ط) وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وقرأ الباقون: (نُنْسها). انظر "تفسير" القرطبي (١/ ٦٧ - ٦٨) و"حجة القراء السبعة" لابن مجاهد (١٠٩ - ١١٠).
(١٠) رواه "البخاري" (٤٤٨٦).