للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٣٤].

ورواه مسلم (١) من وجه آخر.

وقال ابن أبي حاتم (٢): حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا الحسن بن عطيّة، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رسول اللَّه قد صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحبّ أن يوجّه نحو الكعبة فأنزل اللَّه: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤]. قال: فوجّه نحو الكعبة. وقال السّفهاء من الناس، وهم اليهود: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. فأنزل اللَّه: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢].

وحاصل الأمر أنّ رسول اللَّه كان يصلّي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، كما رواه الإمام أحمد (٣)، عن ابن عباس، ، فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه أن يجمع بينهما، فصلَّى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة، واستدبر الكعبة ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا. وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية. واللَّه أعلم.

وكان ، يحبّ أن تصرف قبلته نحو الكعبة قبلة إبراهيم، وكان يكثر الدعاء والتّضرّع والابتهال إلى اللَّه، ﷿، فكان مما يرفع يديه وطرفه إلى السماء سائلًا ذلك، فأنزل اللَّه ﷿ (٤): ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ الآية.

فلمّا نزل الأمر بتحويل القبلة خطب رسول اللَّه المسلمين وأعلمهم بذلك. كما رواه النَّسائيُّ (٥)، عن أبي سعيد بن المعلَّى، وأنّ ذلك كان وقت الظُّهر.

وقال بعض الناس (٦): نزل تحويلها بين الصلاتين. قاله مجاهد وغيره.

ويؤيّد ذلك ما ثبت في "الصحيحين" (٧)، عن البراء أنّ أول صلاة صلَّاها، ، إلى الكعبة بالمدينة، العصر. والعجب أنّ أهل قباء لم يبلغهم خبر ذلك إلى صلاة الصّبح من اليوم الثاني.

كما ثبت في "الصحيحين" (٨)، عن ابن عمر قال: بينما النّاس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم


(١) رواه "مسلم" (٥٢٥).
(٢) انظر "التفسير" للمؤلف (١/ ٢٧٤).
(٣) رواه أحمد في "المسند" (١/ ٣٢٥) وهو حديث صحيح.
(٤) انظر "تفسير الطبري" (٢/ ١٩ - ٢٤) و"تفسير ابن كثير" (١/ ٢٧٨).
(٥) رواه النسائي (٢/ ٥٥) (٧٣١) وفي السنن الكبرى (١١٠٠٤) وإسناده ضعيف.
(٦) انظر "تفسير الطبري" (٢/ ١٤٩).
(٧) رواه البخاري (٤٠)، ومسلم (٥٢٥) مع إبهام الصلاة.
(٨) رواه البخاري (٤٠٣) ومسلم (٥٢٦).