للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من نصف النّهار، فلقيهما أبو جهلٍ، فقال: يا أبا صفوان، من هذا معك؟ قال: هذا سعدٌ. قال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكّة آمنًا، وقد آويتم الصّباة (١)، وزعمتم أنّكم تنصرونهم وتُعينونهم، أما واللَّه، لولا أنك مع أبي صفوان، ما رجحت إلى أهلك سالمًا. فقال له سعدٌ، ورفع صوته عليه: أما واللَّه، لئن منعتني هذا، لأمنعنّك ما هو أشدّ عليك منه؛ طريقك على المدينة. فقال له أميّة: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم، فإنّه سيّد أهل الوادي، قال سعدٌ: دعنا عنك يا أميّة، فواللَّه لقد سمعت رسول اللَّه يقول: "إنّهم قاتلوك". قال: بمكّة؟ قال: لا أدري. ففزع لذلك أمية فزعًا شديدًا، فلمّا رجع إلى أهله قال: يا أمّ صفوان، ألم تري ما قال لي سعدٌ؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أنّ محمدًا أخبرهم أنّهم قاتليّ، فقلت له: بمكّة؟ قالا: لا أدري. فقال أمية: واللَّه لا أخرج من مكة. فلمّا كان يوم بدرٍ، استنفر أبو جهلٍ الناس فقال: أدركوا عيركم، فكره أميّة أن يخرج، فأتاه أبو جهلٍ فقال: يا أبا صفوان، إنّك متى يراك الناس قد تخلّفت وأنت سيّد أهل الوادي، تخلّفوا معك. فلم يزل به أبو جهلٍ حتى قال: أمّا إذ غلبتني (٢)، فواللَّه لأشترينّ أجود بعيرٍ بمكّة، ثم قال أمية: يا أمّ صفوان، جهّزيني. فقالت له: يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربيّ؟ قال: لا، وما أريد أن أجوز معهم إلّا قريبًا. فلمّا خرج أميّة، أخذ لا ينزلا منزلًا إلّا عقل بعيره، فلم يزل كذلك حتى قتله اللَّه ببدرٍ.

وقد رواه البخاريّ في موضعٍ آخر (٣)، عن أحمد بن إسحاق، عن عبيد اللَّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق به نحوه. تفرّد به البخاريّ (٤).

وقد رواه الإمام أحمد (٥)، عن خلف بق الوليد وعن أبي سعيدٍ، كلاهما عن إسرائيل، وفي رواية إسرائيل: قالت له امرأته: واللَّه إنّ محمدًا لا يكذب.

قال ابن إسحاق (٦): ولمّا فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسير، ذكروا ما كان (٧) بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنّا نخشى أن يأتونا من خلفنا. وكانت الحرب التي كانت بين قريشٍ وبين بني بكرٍ، في ابنٍ لحفص بن الأخيف من بني عامر بن لؤيٍّ؛ قتله رجلٌ من بنىٍ بكرٍ بإشارة عامر بن يزيد بن عامر بن الملوّح، ثم أخذ بثأره أخوه مكرز بن حفصٍ، فقتل عامرًا وخاض بسيفه في


(١) يقصد رسول اللَّه وأصحابه المهاجرين من مكة إلى المدينة. قال الحافظ ابن حجر العسقلانى في "فتح الباري" (٧/ ٢٨٣): "الصباة؛ بضم المهملة وتخفيف الموحدة، جمع صابئ بموحدة مكسورة ثم تحتانية خفيفة بغير همزة، وهو الذي ينتقل من دين إلى دين".
(٢) في (أ) و (ط): "عبتني" وأثبت لفظ "صحيح البخاري".
(٣) رواه البخاري (٣٦٣٢).
(٤) في (أ) و (ط): "محمد بن إسحاق" والتصحيح من "صحيح البخاري".
(٥) في "المسند" (١/ ٤٠٠).
(٦) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦١٠ - ٦١١).
(٧) في (ط): "ما كانوا".