للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان جملة من قتل من سَراة الكُفَّار يوم بدرٍ سبعين، هذا مع حضور ألفٍ من الملائكة، وكان قدر اللَّه السابق فيمن بقي منهم؛ أن سَيُسْلِمُ منهم بشرٌ كثيرٌ، ولو شاء اللَّه لسلّط عليهم ملكًا واحدًا فأهلكهم عن آخرهم، ولكن قتلوا من لا خير فيه بالكلّيّة، وقد كان في الملائكة جبريل، الذي أمره اللَّه تعالى فاقتلع مدائن قوم لوط وكنّ سبعًا، فيهن من الأمم والدوابّ والأراضي والمزروعات، ما لا يعلمه إلا اللَّه، فرفعهنّ حتى بلغ بهنّ عَنان السماء على طرف جناحه، ثم قلبهنّ منكَّساتٍ، وأتبعهنّ بالحجارة التي سوِّمت لهم، كما ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط فيما تقدم (١).

وقد شرعِ اللَّه جهاد المؤمنين للكافرين، وبيّن تعالى حكمه في ذلك فقال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ الآية [محمد: ٤].

وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ الآية [التوبة: ١٤ - ١٥].

فكان قتل أبي جهلٍ على يدي شابٍّ من الأنصار، ثم بعد ذلك يوقف عليه عبد اللَّه بن مسعودٍ، ويمسك بلحيته، ويصعد على صدره حتى قال له: لقد ارتقيت مرتقًى صعبًا يا رويعي الغنم، ثم بعد هذا حزّ رأسه واحتمله حتى وضعه بين يدي رسول اللَّه، فشفى اللَّه به قلوب المؤمنين، كان هذا أبلغ من أن تأتيه صَاعِقةٌ، أو أن يسقط عليه سقف منزله، أو يموت حتف أنفه، واللَّهُ أعلم.

وقد ذكر ابن إسحاق (٢) فيمن قتل يوم بدرٍ مع المشركين ممن كان مسلمًا، ولكنّه خرج معهم تقيّةً منهم؛ لأنّه كان فيهم مضطهدًا قد فتنوه عن إسلامه، جماعةً؛ منهم: الحارث بن زمعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكه، [وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة] (٣)، وعليّ بن أميّة بن خلفٍ، والعاص بن منبّه بن الحجّاج. قال: وفيهم نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ٩٧]. وكان جملة الأسارى يومئذٍ سبعين أسيرًا، كما سيأتي الكلام عليهم فيما بعد إن شاء اللَّه، منهم من آل رسول اللَّه ؛ عمّه العباس بن عبد المطّلب، وابن عمّه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

وقد استدلّ الشافعيّ والبخاريّ (٤) وغيرهما بذلك، على أنّه ليس كلّ من ملَك ذا رحمٍ محرمٍ يعتق


(١) انظر ما تقدم من كلام المؤلف على قوم لوط في الجزء الأول من الكتاب.
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤١).
(٣) ما بين الحاصرتين سقط من (أ) وأثبته من (ط) و"السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤١).
(٤) انظر "فتح الباري" (٥/ ١٦٧ - ١٦٨).