للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّه عنه، أنّه قال: بعثنا رسول اللَّه في بعثٍ، فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار". ثم قال حين أردنا الخروج: "إنّي أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإنّ النار لا يعذّب بها إلّا اللَّه، فإن وجدتموهما فاقتلوهما".

وقد ذكر ابن إسحاق (١) أنّ أبا العاص أقام بمكة على كفره، واستمرّت زينب عند أبيها بالمدينة، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارةٍ لقريشٍ، فلمّا قفل من الشام لقيته سريّةٌ، فأخذوا ما معه، وأعجزهم هربًا، وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته، فلمّا خرج رسول اللَّه لصلاة الصبح، وكبّر، وكبّر الناس؛ صرخت من صُفّة النساء: أيها الناس، إنّي قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فلما سلّم رسول اللَّه ، أقبل على الناس، فقال: "أيّها الناس، هل سمعتم الذي سمعت؟ ". قالوا: نعم. قال: "أما والذي نفس محمدٍ بيده ما علمت بشيءٍ [من ذلك] (٢) حتى سمعت ما سمعتم، وإنّه يجير على المسلمين أدناهم". ثم انصرف رسول اللَّه ، فدخل على ابنته زينب فقال: "أي بنيّة، أكرمي مثواه، ولا يخلصنّ إليك؛ فإنّك لا تحلّين له". قال: وبعث رسول اللَّه ، فحثّهم على ردّ ما كان معه، فردّوه بأسره لا يفقد منه شيئًا، فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكَّة، فأعطى كلّ إنسانٍ ما كان له، ثم قال: يا معشر قريشٍ، هل بقي لأحدٍ منكم عندي مالٌ لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك اللَّه خيرًا، فقد وجدناك وفيًّا كريمًا. قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمدًا عبده ورسوله، واللَّه ما منعني عن الإسلام عنده إلّا تخوّف أن تظنّوا أنّي إنّما أردت أن آكل أموالكم، فلمّا أدّاها اللَّه إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول اللَّه .

قال ابن إسحاق (٣): فحدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: ردّ عليه رسول اللَّه ، زينب على النكاح الأوّل، ولم يحدث شيئًا. وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد (٤)، وأبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه من حديث محمد بن إسحاق (٥)، وقال الترمذيّ: ليس بإسناده بأسٌ، ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء من قبل حفظ داود بن الحصين.

وقال السّهيليّ (٦): لم يقل به أحدٌ من الفقهاء، فيما علمت.

وفي لفظٍ: ردّها عليه رسول اللَّه ، بعد ستّ سنين.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٥٧ - ٦٥٨).
(٢) تكملة من "السيرة النبوية" لابن هشام.
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٥٨ - ٦٥٩).
(٤) رواه أحمد في "المسند" (١/ ٢١٧) وهو حديث حسن بشواهده.
(٥) رواه أبو داود (٢٢٤٠) والترمذي (١١٤٣) وابن ماجه (٢٠٠٩) وهو حديث حسن بشواهده.
(٦) انظر مسند أحمد (٣/ ٣٦٩).