للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أربعمئة ألف، وما معهم من الدوابِّ والحيوانات، وما لتلكَ المدنِ من الأراضي والمعتملات والعمارات، وغير ذلك. رفعَ ذلكَ كلَّه على طرفِ جناحه حتى بلغَ بهنَّ عَنانَ السماءِ، حتى سمعتِ الملائكةُ نُباح كلابهم، وصياح ديكتهم، ثم قلبَها، فجعلَ عاليَها سافلَها، فهذا هو شديدُ القوى.

وقوله ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ [النجم: ٦] أي: ذو خُلُقٍ حسن وبَهاءٍ وسَناءٍ، كما قال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة: ٤٠] أي: جبريل، رسولٌ من اللَّه، كريمٌ: أي: حسن المنظر، ذي قُوَّة: أي: له قوَّةٌ وبأسٌ شديد ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠] أي: له مكانةٌ ومنزلةٌ عالية رفيعة عند اللَّه ذي العرش المجيد. ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ﴾ [التكوير: ٢١] أي: مُطاعٍ في الملأ الأعلى ﴿أَمِينٍ﴾ [التكوير: ٢١] أي: ذي أمانةٍ عظيمةٍ، ولهذا كان هو السفير بين اللَّه وبين أنبيائه ، الذي ينزلُ عليهم بالوحي، فيه الأخبارُ الصَّادقةُ، والشرائعُ العادلة. وقد كان يأتي إلى رسول اللَّه ، وينزلُ عليه في صفاتٍ متعدِّدة كما قدَّمنا. وقد رآه على صفته التي خلقَه اللَّه عليها مرتين، له ستمئة جناح، كما روى البخاري (١): عن طَلْقِ بن غَنَّام عن زائدةَ، عن الشَّيْبانيّ، قال: سألتُ زِرًّا عن قوله تعالى: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: ٩ - ١٠]. فقال: حدَّثنا عبدُ اللَّه -يعني ابنَ مسعود- أنَّ محمّدًا (٢) رأى جبريلَ له ستمئة جناح.

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن آدم، حدَّثنا شريك، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه، قال: رأى رسولُ اللَّه جبريلَ في صورته وله ستمئة جناح، كلُّ جناحٍ منها قد سدَّ الأفقَ، يسقط من جناحه من التهاويل، من الدرِّ والياقوت ما اللَّه به عليم (٣).

وقال أحمد أيضًا (٤): حدَّثنا حسن بن موسى، حدَّثنا حمَّاد بن سَلَمة، عن عاصِم بن بَهْدلةَ، عن زِرِّ بن حُبَيْش، عن ابن مسعود في هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم: ١٣ - ١٤] قال: قال رسول اللَّه : "رأيتُ جبريلَ وله ستمئة جناح، يَنْتَثِرُ من ريشِه التَّهاويلُ، الدُّرُّ والياقُوت".

وقال أحمد (٥): حدَّثنا زيدُ بن الحباب، حدَّثنا الحسينُ، حدَّثني عاصمُ بن بَهْدلة، سمعتُ شقيقَ بن سَلَمة، يقولُ: سمعتُ ابن مسعود يقول: قال رسول اللَّه : "رأيتُ جبريلَ على سِدْرة المُنْتهى، وله


(١) في صحيحه (٤٨٥٧) في التفسير.
(٢) في البخاري (أنه محمد ).
(٣) لم أجده في المسند بهذا الإسناد، وإنما أخرجه (١/ ٣٩٥) رقم (٣٧٤٨) عن حجَّاج، عن شريك، عن عاصم، به. وأخرجه (١/ ٤٠٧) رقم (٣٨٦٢) عن زيد بن حباب، عن حسين، عن عاصم، عنه، نحوه.
وانظر أطراف المسند، للحافظ ابن حجر (٤/ ١٥٨) رقم (٥٥٥٠) طبعة دار ابن كثير ودار الكلم الطيب (١٤١٤ هـ). والتهاويل: الأشياء المختلفة الألوان.
(٤) في المسند (١/ ٤٦٠) وأخرجه النسائي في الكبرى (١١٥٤٢).
(٥) في المسند (١/ ٤٠٧).