للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الوالبي (١)؛ عن ابن عباس: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١] [والمعقبات من أمر اللَّه] (٢) هي الملائكة. وقال عكرمة عن ابن عباس؛ يحفظونه من أمر اللَّه: قال: ملائكة يحفظونه من بين يديْه ومن خلفه، فإذا جاء قدر اللَّه خَلَّوا عنه (٣). وقال مجاهد: ما من عبد إلا ومَلَكٌ موكَّلٌ بحفظِه في نومِه ويقظتِه من الجِنِّ والإنسِ والهوامّ، وليس شيء يأتيه يُريده إلا قال: وراءَك، إلا شيء يأذنُ اللَّه فيه فيصيبه (٤). وقال أبو أمامة: ما من آدمي إلا ومعه ملك يذود عنه حتى يسلِّمه للذي قدِّر له (٥). وقال أبو مجلز: جاء رجلٌ إلى علي فقال: إن نفرًا من مراد يُريدون قتلكَ، فقال: إن مع كلِّ رجلٍ مَلَكين يحفظانِه مما لم يُقدَّر، فإذا جاءَ القدَرُ خلَّيا بينَه وبينه، إنَّ الأجل جُنَّةٌ حصينة (٦).

ومنهم: الموكَّلون بحفظ أعمال العباد، كما قال تعالى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٧ - ١٨] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٠ - ١٢]. قال الحافظُ أبو محمد عبدُ الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ في تفسيره: حدَّثنا أبي، حدَّثنا علي بن محمد الطَّنافسيّ، حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا سفيان ومِسْعر، عن علقمةَ بن مَرْثد، عن مجاهد، قال: قال رسول اللَّه : "أكرموا الكرامَ الكاتبينَ الذين لا يُفارقونَكُم إلا عندَ إحدى حالتين؛ الجنَابة والغَائط، فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستترْ بجِذْمِ حائطٍ، أو ببعيره، أو ليستُرْه أخوه" (٧).

هذا مرسلٌ من هذا الوجه، وقد وصلَه البزَّارُ في "مسنده": من طريق حفص (٨) بن سليمان القارئ، وفيه كلام عن علقمة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه : "إن اللَّه ينهاكم عن التَّعرِّي، فاستحيوا من ملائكة اللَّه الذينَ معكم الكرام الكاتبين، الذين لا يفارقُونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط، والجنابة، والغسل. فاذا اغتسلَ أحدُكم بالعَراء فَلْيَسْتَترْ بثوبهِ، أو بجِذْمِ حائطٍ، أو ببعيره" (٩). ومعنى إكرامهم أن يُستحيا منهم فلا يُمْلى عليهم الأعمال القبيحة التي يكتبونها، فإن اللَّه خلقَهم كرامًا في خَلْقهم وأخلاقِهم.


(١) الوالبي: هو أبو خالد الوالبي المفسر، يروي عن عبد اللَّه بن عباس، وجابر بن سمرة، وعنه فِطْرُ بن خليفة، وعطية العوفي، وغيرهما. انظر تاريخ الطبري (١/ ١٢).
(٢) ما بين حاصرتين أثبته من ب.
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (٧/ ٣٥١).
(٤) المصدر السابق (٧/ ٣٥٢) والهوامّ: السِّباع.
(٥) المصدر السابق (٧/ ٣٥٥). ويذود: يُدافع.
(٦) المصدر السابق (٧/ ٣٥٤). وجُنَّة: درع.
(٧) تفسير القرآن العظيم؛ للحافظ ابن كثير (٤/ ٥٦٩) وجِذْمُ الحائط: أصله، أو قطعة منه.
(٨) في المطبوع: جعفر، وهو خطأ.
(٩) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (٣١٧) وذكره الهيثمي في المجمع (١/ ٢٦٨) وقال البزار: لا نعلمه يُروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وحفصٌ: ليِّنُ الحديث. والعراء: الفضاء من الأرض.